من عشتار وفينوس إلى طفول مروراً بعشبة وأختها أمل أو عائشة أو حتى مريم، يظل الحديث عن المرأة طوال العقود، بل القرون الماضية ينصب على الجزء المهم من المجتمع وهو المرأة، هذه الإنسانة هي المسؤولة الأولى عن كل الأخطاء التاريخية. ولعل الخطأ الأول لها حينما تخلت عن دورها المهم في المرحلة الأمومية الأولى قبل عدة قرون من الزمان، تلك الفترة التي جعلتها تمارس حقوقها بشكل ربما يكون فيه نوع من الدكتاتورية الأنثوية، والتي كان فيها الرجل هو المضطهد، بل القابل لتبعية المرأة. ولعل التاريخ البشري يذكر جيداً، معاناة الرجل من ذلك. إلا أن ثورة الرجال على المرأة ولفترات طويلة قلبت المعادلة في العلاقات الإنسانية بين طرفي المعادلة، ومالت الكفة لصالح الخبث الرجالي ضد من كان يعتقد أنه الأقوى، والمهيمن لفترات ليست قصيرة في حياة الشعوب.
وظل موضوع المرأة هو الشغل الشاغل للحضارات المتعاقبة لفترات طويلة. فهي الخير والشر في الوقت نفسه، وهي التي يجب أن تلجم رغباتها من خلال حزام العفة، وهي التي ترافق الجانب الشرير من الثقافة السائدة، وهي التي تتحمل المحافظة على العنصر البشري من قبل وبعد العلاقة الرائعة بين الرجل والمرأة.
إلا أن موضوع المرأة ظل حذراً وخائفاً من مرحلة العبودية التي ظلت كامنة أو ظاهرة في الثقافة السائدة، ومن هنا برزت تلك التناقضات بين الأقوال والأفعال، وظل هاجس الخوف. فهي الحياة والموت في الآن نفسه، وهي الجوهرة التي يجب أن يحافظ عليها، وهي في الوقت نفسه ملكية خاصة، واحتمالات وقوعها أو ارتكابها المعصية واردة. كم هو مذل لإنسان يظل منذ مولده إلى مماته يعيش في دائرة الشك. نحاول أن ننصف المرأة ولكن كل القوانين والشرائع تظل ضدها، حتى تلك القوى التي توجه نقدها للثقافة السائدة ترسخ يومياً تفوق الرجال وتميزهم، مما أدى إلى بروز تيارات ثقافية تعتقد أن الصراع هو في الأساس بين المرأة والرجل. وهو حل متطرف لا يختلف في فحواه على العقلية المتخلفة، ولعل هذا يؤكد على مقولة إن أقصى اليسار مع أقصى اليمين لا يختلفان، بل إنهما يعيشان في القارب نفسه. فبدلاً من مناقشة الأسباب الموضوعية لتلك العلاقة غير الطبيعية يتم الحديث عن حواء وآدم، أو غير ذلك في الثقافات العالمية المختلفة. إلا أن تزييف الوعي هو العامل المشترك بين كل الثقافات.
فهل يعقل أن تكون قيادة المرأة للسيارة وهي التي تحمل أعلى الشهادات الجامعية، بل وتساهم في تخريج آلاف الطلاب من الجامعات موضع نقاش في مؤتمر يعقد في الألفية الثالثة، وأن ينبري البعض لمناقشة هذا الموضوع بين حضور لمؤتمر يناقش في الأساس الحوار الوطني الثالث؟. ومن عجب العجاب أن يتفق الجميع على أهمية دور المرأة في الحياة العامة، وينسى الجميع أن قمع نصف المجتمع هو الذي يخلق جيلاً من المتطرفين، وجيلاً يرى أن ما يعاني منه العرب والمسلمون كامن في ثقافة عصور الانحطاط في القرون الوسطى في العالم الإسلامي وليس في أوروبا، وستظل تلك المعاناة قائمة ما دمنا نعيش في عصر الكهوف والتخلف، وإن إجماع أهل العلم قد لا يكون صحيحاً حينما تسيطر العقلية السلفية التي تعيش في مرحلة التخلف التي كفرت كل من حاول أن يثبت أن الإسلام هو دين لكل الشعوب وكل المراحل. إن حراس العهد القديم ما زالوا يرفعون الصليب والهلال وغيره من الرموز، والتي ربما تؤدي إلى انتشار التطرف من جديد، فهل تدرك القوى الداعية للتغيير، والنخبة الجديدة، أن عصر الحريم قد انتهى منذ بداية الألفية الجديدة؟.
كم كنا نتمنى أن تكون القوى الليبرالية والديمقراطية في الجزيرة العربية حاملة لمشعل الدخول في عالم جديد، حمله قبلهم ذلك اليتيم في المجتمع الجاهلي. جميل أن ندعو إلى التغير، إلا أن الأجمل أن يتم التخلص من نظرة الشك إلى المرأة وأن نؤمن أنها قادرة على أن تحافظ على شرفها دونما حاجة إلى قيود أو حزام عفة. وجميل أن يحترم الإنسان تلك التي حملته لتسعة شهور، إلى أن رأى نور الحياة. وجميل أيضاً ألا نعتبر أن المرأة هي نصف المجتمع وأن نعتبر عوضاً عن ذلك أننا مجتمع واحد تعيش فيه المرأة والرجل. فما دمنا ننظر إليها على أنها نصف المجتمع فسنظل محكومين بأن للمجتمع نصفين، نصف مشرق ومضيء وبناء وهو الرجل، ونصف آخر مظلم وشرير وخادم مطيع وهو المرأة.
لقد جرب الإنسان لعقود طويلة أن يستعبد المرأة ويسلبها حقوقها دون أن يصل إلى الفردوس المفقود. ترى ألن يكون ممتعاً أن يجرب عالم الشراكة مع المرأة لعله يصل إلى هذا الفردوس الذي ضل الطريق إليه منذ استعبد المرأة. وأخيراً إلى متى ذاك التناقض بين الخير والشر؟.