ماذا لو كانت أميركا هي الدولة التي ليس لها سلاح نووي، بينما واصلت إيران المدججة نووياً إصرارها على حرمان الولايات المتحدة من تلك الأسلحة؟ معظم الذين يتحدثون عن عالم خال من السلاح النووي، يدور حديثهم حول الدول النووية فحسب. غير أن نسبة 95 في المئة من دول العالم قررت عدم السعي لتطوير الأسلحة النووية، بينما تزداد نظرتها إلى القنبلة النووية باعتبارها خطراً يزعزع أمن العالم واستقراره. ومن هنا فقد رأيت أهمية لطرح السؤال أعلاه، فيما لو كانت الدولة التي تصر على حرمان أميركا من الحصول على السلاح النووي هي إيران، بينما تفتقر أميركا لتلك الأسلحة؟ فبينما تصارع واشنطن في حوارها الدولي حول عدد من القضايا النووية، ربما كان من المفيد جداً النظر إلى هذه القضايا النووية من وجهة نظر الدول التي لم تحصل على هذه الأسلحة مطلقاً، دعك عن استخدامها لها. والمسألة التي ينبغي على الولايات المتحدة أخذها بعين الاعتبار هنا، هي ما الذي تريده الدول غير النووية. ومؤخراً اجتمعت الدول الأعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي لعام 1970، والبالغ عددها 189 دولة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، في مؤتمر قمة خصص لاستعراض وإعادة تقييم المعاهدة. وقد سعى المؤتمر الذي ينعقد مرة كل خمس سنوات إلى تقييم التقدم الذي أحرز في تطبيق نصوص المعاهدة، وفي الكيفية التي يمكن بها تعزيز نظام عدم الانتشار النووي. هذا ويوفر المؤتمر منبراً دولياً للدول غير النووية، تستطيع من خلاله التعبير عن رأيها وأجندتها. وقد وردت نصوص في صلب هذه المعاهدة المذكور، التزمت فيها الدول غير النووية بعدم السعي إلى تطوير هذه الأسلحة، أو تلقي أي مساعدات من الدول النووية لها صلة بصنع الأسلحة هذه، إلى جانب قبول معايير السلامة التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بالتحقق من تطبيق الدول لما تعهدت به. ومن جانبها تعهدت الدول النووية بتوفير الدعم اللازم للدول غير النووية كي تتمكن من تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، على أن يصحب ذلك اتخاذ الإجراءات المتعلقة بنزع السلاح النووي. وربما تبدو هذه الأخيرة بديهية للكثيرين، بيد أن التعهد الخاص بإجراءات نزع السلاح النووي، هو الذي ترغب الدول النووية في رؤية تشديد تطبيقه على الأرض. وما بين الترسانة النووية الضخمة التي تملكها الدول المعروفة بحيازتها للسلاح النووي، بموجب نصوص معاهدة حظر الانتشار النووي، وتلك الترسانات الصغيرة التي طورتها دول عديدة ليست أعضاء في المعاهدة، يبقى من الضروري القيام بجهود جبارة لتحقيق رؤية عالم خال من السلاح النووي. فهناك خمس دول أعضاء في المعاهدة تعرف بحيازتها للسلاح النووي. ورغم صعوبة تحديد أرقام محددة لترسانة كل واحدة من هذه الدول، تذهب تقديرات مجلس الموارد الطبيعية الدفاعية، إلى أن للولايات المتحدة حوالي 5100 رأس حربي نووي، ولروسيا 4600 رأس، ولفرنسا300 رأس، وللصين 250 رأساً، ولبريطانيا200 رأس. وهناك أربع دول خارج إطار المعاهدة، تحوز هي الأخرى على السلاح النووي. ووفقاً لتقديرات مشروع ويسكونسن للتحكم بالأسلحة النووية، فإن لإسرائيل حوالي 200 رأس حربي نووي، وللهند70 رأساً، والعدد نفسه لباكستان، أما كوريا الشمالية فلها10 رؤوس نووية فقط. وبالنسبة للدول غير النووية المجاورة للقوى النووية، أو تلك التي تقع في نطاق نفوذ تلك القوى والدول ذات الأهمية الاستراتيجية، فطالما نظرت إلى وجود القنبلة النووية باعتباره تهديداً دائماً لأمنها الوطني، وعاملاً يلقي بتأثيراته السالبة على العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول. وفي سبيل الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية، لابد من التصدي لست قضايا أساسية فيما يتعلق بمعاهدة حظر الانتشار النووي. أولاها: احترام مطالبة الدول غير النووية بالمزيد من خفض ترساناتها النووية، على أن يتسم هذا الخفض بمزيد من الشفافية، وأن تلتزم القوى النووية الكبرى بأن يكون خفضها لترساناتها النووية لا رجعة عنه. ويذكر أن الرئيسين، الأميركي أوباما والروسي مدفيديف، كانا قد اتفقا أثناء توقيعهما على النسخة الجديدة من معاهدة "ستارت" المعنية بخفض الأسلحة الاستراتيجية، على خفض ترسانة بلديهما النووية في شهر أبريل المنصرم. ثانيتها: أهمية مصادقة الدول على معاهدة حظر الانتشار النووي لعام 1996. والملاحظ هنا أن الصين وإسرائيل وإيران تعتبر من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، لكنها لم تبذل مجهوداً يذكر من أجل المصادقة عليها داخلياً. ثالثتها: المزيد من التزام الدول بخفض ما لديها من مواد انشطارية قابلة للاستخدام في صنع السلاح النووي. فبينما تعهدت كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا بخفض ما لديها من هذه المواد، يلاحظ تباطؤ باكستان في الانضمام إلى المعاهدة المعنية بخفض المواد الانشطارية. رابعتها: العضوية الدولية في معاهدة حظر الانتشار النووي. ويتطلب تحقيق هذا الهدف، ضرورة انضمام الدول النووية خارج إطار المعاهدة إلى عضويتها، إلى جانب التزامها بالسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق من الأنشطة والبرامج الخاصة بها. وفي حال رفض هذه الدول التوقيع على المعاهدة، فإن من الواجب حرمانها من استخدام الطاقة النووية السلمية. خامستها: فرض العقوبات على الدول المنسحبة من معاهدة حظر الانتشار النووي. صحيح أن المعاهدة نفسها تعطي الدول حق الانسحاب منها، متى ما كانت هناك ظروف استثنائية مهددة لأمنها الوطني، تتطلب ذلك الانسحاب. غير أن هذا الحق لا يبرر ما تقوم به دول مثل إيران وكوريا الشمالية من خروج على نظم رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإخفاء لبرامجهما النووية عن أنظار العالم ورقابته. وهذا ما يتطلب فرض العقوبات الدولية. سادستها: إحراز تقدم نحو خلو منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل. يذكر بهذه المناسبة أن نصف العالم تقريباً قد أعلن سلفاً باعتباره "منطقة خالية من السلاح النووي". وهناك من يطالب بتمديد هذه الصفة إلى منطقة الشرق الأوسط المضطربة. وهذا ما طالبت به دوله خلال المؤتمر الاستعراضي المتعلق بمراجعة تطبيق معاهدة حظر الانتشار النووي، وبالنظر في برامج إسرائيل، والتحقق من خلو المنطقة من أي استخدام عسكري للتكنولوجيا النووية. ميكا زينكو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل بمركز العمل الوقائي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"