خيبة أمل تحل بنا وتضاف لملف الخيبات العربية، ولعل الأتراك يعيدوا لنا الأمل من جديد، فقافلة الحرية اخترقت الصمت وأحرجت الدول العربية، لكن تعودنا على صوت الحناجر، فهي ترتفع وتعود مرة أخرى إلى الخفوت لتنتظر فاجعة جديدة لكي تظهر أصوات الحناجر من جديد لتعيد لنا الحق المغتصب. ما حدث هو خارج العقل والمنطق، ومن الواضح أن الرسالة موجهة لتركيا التي علا صوتها وحان موعد تأديبها لكي تلتزم الصمت وتمارس الهواية العربية وتنضم إلى صفوف الحناجر العربية، إلا أن ما يلوح في الأفق غير ذلك، حيث يبدو أن تركيا تريد فرض وجودها على مستوى العالم وستكسب احترامه. ما حدث هزيمة لصف "الاعتدال العربي" الذي وضع في موقف لا يحسد عليه، ومن كسب في هذه المعركة هم هؤلاء التابعون لكل أطياف الراديكالية التي تدق الطبول اليوم وتحتفل وتنشد الأناشيد الحماسية، وترسل برسائلها للعالم وتقول: هذه هي الحرية التي تتغنون بها. إنها الديمقراطية التي دفعت إسرائيل للهجوم على قافلة الحرية في المياه الدولية غير عابئة بأي مسؤولية أخلاقية، ولا بقرارات دولية، فهي أوراق وبيانات مصيرها كمصير القرارات التي سبقتها. الصراع يتطور والعالم يندفع نحو مواجهات عنيفة يبدو أن سيد البيت الأبيض وجد نفسه محاصراً كأهل غزة، لا يملك إلا أن يقول: عليكم أن تهدؤوا وتعاملوا مع الموقف بحضارية، فالهمجية غير مجدية لحل الصراع الشرق أوسطي. أما صف الاعتدال فيمضغ المرارة ولا يعرف كيف يواجه الموقف، فمن يراهن عليهم لنصرة الاعتدال تراجعوا وجعلوا من الاعتدال أضحوكة، ومن ثم يقولون لنا: فلنقف ضد العنف الذي يجتاح العالم، وهكذا نخسر ونزيد الخسارة. الجميل في الموقف هو المشاركة الكويتية في قافلة الحرية، وهذا ليس بغريب على الكويت، فهي دائما تنتصر للحرية في ظل الصمت العربي، وما يحز فينا هو أن الشارع الكويتي كان يجب أن يعرف مسبقا بأن أبطالنا سيشاركون بقافلة الحرية ويمنحوا التواقين للحرية بأن ينضموا إليهم في نضالهم لفك الحصار عن أهلنا في غزة. لكن رغم خطورة الموقف فثمة كثيرون على أتم الاستعداد لخوض مواجهة مع إسرائيل، وحسناً ما فعل بعض نوابنا الذين طالبوا بسحب السفراء العرب من إسرائيل وطرد سفرائها من بلادنا. ما أجمل المظاهرات المناهضة لإسرائيل، فهي تحمل لنا كل الأطياف، ففيها المسيحي واليهودي والبوذي والملحد والكافر والمؤمن... فكلهم خرجوا ينتصرون للحق الفلسطيني، ولعلنا ندرك أهمية التواصل مع العالم ونتوقف عن شتم من نختلف معهم عقائدياً، ونتذكر بأنهم من أنصارنا في هذه المرحلة، ولعلنا ندرك أن المعارك تخاض بعقل منفتح حيث الظلم لا يقبله من لديهم ذرة من الحرية. لم يعجبني تصريح النائب المطير الذي نشرته إحدى صحفنا المحلية بوصفه إسرائيل بالخنازير وأحفاد القردة، ولا أعرف مصدر نظريته العلمية القائلة بأن اليهود هم قردة وخنازير، لاسيما أننا نحن معهم من العرق السامي، ولا أعرف هل وصفه ينطبق على كل من ينتمي للسامية أم لا! على كل حال سيجد اليهود المناهضون لموقف إسرائيل والمشاركون في قافلة الحرية أنفسهم في حيرة؛ فهم قردة وخنازير وإن وقفوا ضد إسرائيل.