قبل أن تتفتح أعيننا على عالم السياسة، وفي سن مبكرة للتماس مع مصطلح ساس ويسُوس، كنا نسمع عن الكثير من الدول بشكل عابر دون أن نتوقف عندها بحكم العمر والوعي السياسي الخافي. فمن ضمن هذه الدول كانت دولة "كوريا موريا" التي كان آباؤنا يرددون اسمها كلما حدثت مشكلة، ولم نكن نعلم عن حقيقة هذا المصطلح إلا بعد أن زادت جرعة السياسة الحقيقية في أذهاننا، فأدركنا أن دولة "كوريا موريا" الموحدة قد انقسمت إلى كوريا الجنوبية الديمقراطية والرأسمالية وكوريا الشمالية الشيوعية المتطرفة في التمسك بها رغم حلحلة الشيوعيات الأخريات حتى سقوط حاميها الأول بانهياره ودخوله في مخلفات التاريخ ألا وهو الاتحاد السوفييتي الذي انفرط عقده وإن كان البعض من قادته يحلم بالعودة لما وراء التاريخ. كوريا الشمالية اليوم تعيش أحلام الأمس، فهي تبدو أنها لم يعد عندها ما تحافظ عليه بعد أن تحولت إلى سجن ضخم لشعب يعاني الجوعتين، الأولى تتعلق مباشرة بالطعام الذي يأتيه من كوريا الجنوبية ولولاها لمات الشعب جوعاً منذ عقود، والأخرى جوعته إلى نموذج ديمقراطي ينقذه من وهدته ويلحقه بأهله في الشطر الجنوبي الذي دخل إلى معمعة الدول المتقدمة فور الانتهاء من التوقيع على معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في 1953 من القرن الماضي. وقد زادت الأمور في الشطر الشمالي سوءاً بعدما دخل في تحدٍّ آخر مع المجتمع الدولي على إثر امتلاك كوريا الشمالية السلاح النووي الذي أجّج عنصر الصراع من جديد في شبه الجزيرة التي انشطرت نصفين قبل أكثر من نصف قرن، وقد يحيلها الانشطار النووي بعد التصعيد الأخير وإلغاء المعاهدة بين الكوريتين إلى أجزاء أخرى إلا إذا حصلت المعجزة التي حصلت بين الألمانيتين، ولن نرى إزالة هذه الاستحالة إلا بانزياح الكابوس الشيوعي الرابض على قلوب أهل الشمال البائسين. طبعاً، لم يعد بعد الآن شيء اسمه "كوريا موريا"، وإنما هناك دولتان سياديتان، والعداء بينهما مستفحل لولا وجود قوى متوازنة من حولهما تمنع الشمال أولاً من مجرد التفكير في القيام بأي عمل استفزازي طوال الفترة الماضية، إلا أن التطورات المتسارعة التي علق عليها البعض بقوله: "قد لا يكون ليومنا غد" إذا ما ركب "كيم" عناده. من هنا نقول وبعد أن وعينا، نخشى أن يعود مصطلح "كوريا موريا" وهو من اختراع الآباء والأجداد إلى السطح من جديد ولكن بتداعيات مختلفة تماماً عن الصورة الماضية. وقد يكون المعنى من ذلك المصطلح القديم مركزاً في أن هذه المنطقة من العالم كانت "موارة" بالمشاكل، فهي حقاً تمور هذه الأيام موراً وإلا فإن فهذا التسارع في انهيار الأوضاع، أمر لم يسبق له مثيل في وقع المشكلات السياسية التي تضع العالم على شفا حفرة لا نعرف حتى الآن موضع القاع فيها. بعد التصعيد الأخير من قبل كوريا الشمالية إلى درجة قاربت الجيوش من رفع استعداداتها الحربية، وصلنا إلى قناعة بأن مصطلح "كوريا موريا"، يمكن استعادته من عهد الأجداد إلى حاضرنا، ولكن بمعنى خلط الأوراق السياسية في الشمال الآسيوي كله، وهو الأخطر في هذه المرحلة التي يخوض فيها العالم حربين ضاريتين غير تقليديتين أو نظاميتين في أفغانستان وباكستان، فأي انفلات "كوري موري" على هذه الجبهة التي تصاعدت درجة سخونتها "النووية" يعني الوقوع في فخ "الشيوعية" التي تريد إحياء أيديولوجيتها المتصلبة في الوقت الذي تبرأ أهلها منها ولو بافتعال حرب "خاطفة" أو محدودة لذر البارود في عيون غير المبصرين لحقائق التاريخ التي لا تجامل "كيم" ومريديه.