لم استغرب الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في المياه الدولية حين هجمت بقوة السلاح على أسطول زوارق الإغاثة الإنسانية، "الحرية لغزة"، واقتحمت سفنه المحملة بامدادات غذائية ودوائية، يرافقها مجموعة من الناشطين المدنيين ورجال الإعلام وقادة الرأي والبرلمانيين... ينتمون إلى أكثر من أربعين دولة، ومتجهين إلى قطاع غزة المحاصر منذ أربع سنوات. لقد خلفت الجريمة عشرات القتلى والجرحى من الناشطين المدنيين، لأن تاريخ الكيان الإسرائيلي منذ أن تكوّن وأصبحت له أنياب في قلب المنطقة، وتمدد في جسد العالم العربي... لا يعرف غير لغة الجريمة والإرهاب والقتل، فلا وجود لمفاهيم السلام والإنسانية في قاموسه، وكذلك القوانين والاتفاقات الدولية... بل لا يعرف غير قانون الغاب ومنطق القوة وأسلوب قطاع الطرق وأساليب الاستعمار والحرب والإرهاب والاغتيال والاختطاف والتدمير والتجويع والتعذيب والإبادة الجماعية. لقد اقترف جريمة أخرى يوم الاثنين الماضي في المياه الدولية، مما يثبت للمرة الألف، وللعالم كله، وخاصة للذين يراهنون على السلام مع إسرائيل، أنها أكبر عدو للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم، كما أنها أكبر قاتل للقانون، وأن جلوسها إلى طاولة المفاوضات ما هو إلا للاستيلاء على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، والحصول على أكبر تنازلات باسم السلام. حين وجدت إسرائيل سفناً تحمل شعار الحرية وتتجه لفك الحصار الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني في القطاع، فقدت "صوابها" وحولت الحرية إلى مجزرة في المياه الدولية، بهدف ممارسة الرعب والضغط والتهديد ضد من يحاول تكرار مثل هذا الأمر. تلك هي العقلية الصهيونية التي قامت عليها إسرائيل، والتي يحاول البعض وضع مساحيق لتجميلها ولتزوير الصورة الحقيقية للدولة العبرية أمام العالم، بقصد إقناع الرأي العام العربي بتقبلها. لكن إسرائيل ترفض عملياً هذا التزوير وتريد أن يرى العالم حقيقة وجهها الأصلي القبيح بدون حاجة إلى كل ذلك التزييف والتدليس. وإسرائيل هي ذاتها التي ارتكبت المذابح في دير ياسين، وبحر البقر، والخليل، وبيروت، وصبرا وشاتيلا، وغزة، وجنين، ونابلس، وقانا... وحتى الآن هي نفسها التي قال عنها وزيرها "هارون سيزلنج"، في عام 1948، عقب انكشاف مذبحة دير ياسين: "هاقد تصرفنا نحن الآن أيضاً مثل النازيين". وهي نفسها التي ألقت قنابل الفوسفور الأبيض على سكان غزة، وأحرقت سكانها الأحياء بالأسلحة المحرمة دولياً... هذه هي إسرائيل التي شهد العالم بأسره على جريمتها وهي تقتل الحرية والسلام في المياه الدولية، في مشهد تقشعر له الأبدان. وعلى مدى التاريخ كله، لم يكن الصهاينة يوماً دعاة سلام ولا دعاة تسامح، إنما هم أصلاً دعاة حرب، وهم صناع "الإرهاب" في العالم، وهم أكثر الناس تعطشاً لدماء الشعوب وأشدهم عنصرية. إنهم مخربون ومتآمرون وحريصون على تحطيم كل القوميات والشعوب واللغات... يريدون نشر الفساد والمخدرات والربا، ويحرصون على إذابة كل الألوان والأديان بشتى الوسائل والحيل والدسائس. إن إسرائيل ولدت بالحرب ومن الحرب واستمرت بالحرب... فالحرب عندها حقيقة والسلام أسطورة والصداقة خرافة. والسؤال المهم هنا: أين الموقف العملي العربي، وكيف سيكون بعد كل الذي جرى؟ كل ما أتمناه أن لا يتحول هذا الموقف تجاه جريمة البحر الإسرائيلية ضد أسطول الحرية إلى مجرد خطاب شجب واستنكار، كما تعودنا مع كل جريمة ترتكبها إسرائيل. لابد من خطوات عربية عملية وجادة، أهمها ملاحقة أعضاء هذه العصابة الصهيونية أمام المحاكم الدولية، باعتبارهم إرهابيين ومجرمي حرب.