رغم أنه كان من المخطط أن يكون سد "بيلو مونتي أمازون" ثالث أكبر سدود البرازيل قاطبة، فإن السلطات المحلية في ولاية "ساوباولو" حاولت إيقاف بنائه بحكم قضائي بعد أن كانت قد عارضت إقامته على أرضها ولم تستجب لها الحكومة. لم تفت تلك العقبة القانونية في عضد الحكومة الفيدرالية التي قررت، رغم ذلك، المضي قدماً في بناء السد، في إطار خططها الرامية لبناء سدود لتوليد الطاقة الكهربائية على مستوى البلاد قاطبة. لكن ما الحجة التي تستند اليها الحكومة البرازيلية في القيام بهذه الخطوة التي تثير الكثير من الجدل؟ الحجة هي أن ذلك السد يمثل مصدراً للطاقة النظيفة يتعين استغلاله خصوصاً في عصرنا الحالي الذي يعاني فيه العالم من التغير المناخي. يؤكد ذلك وزير الطاقة البرازيلي" مارسيو زيمرمان" الذي قال في مقابلة هاتفية: "في عالم ما بعد كوبنهاجن، حيث تؤدي انعكاسات غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى احتباس حراري ومشكلات بيئية أخرى، تأتي نسبة تتراوح بين 80 و90 في المئة من طاقة البرازيل من المصادر المتجددة". ويشار إلى أن اقتصاد البرازيل ينمو بنسبة 5 في المئة سنوياً، ويحتاج إلى إضافة كميات كبيرة من الطاقة سنوياً، لمجاراة النمو المتزايد في الوظائف، وتوفير احتياجات الطبقة الوسطى المتنامية. ومع وجود مئات من الأنهار الصغيرة غير المستغلة، لا تتمكن البرازيل سوى من استخراج ثلث احتياجاتها فحسب من مصادر هيدروكهربائية. وتحدد الخطة الجديدة لزيادة طاقة البرازيل من تلك المصادر 11 موقعاً في حوض نهر الأمازون لبناء سدود عليها، وهي سدود وإن كانت ستوفر -كما يقول الخبراء- الطاقة الرخيصة المتجددة، فإنها ستصبح مادة متجددة للجدل في ذات الوقت. وحول هذه النقطة يقول "لويز بنجويلي"، الرئيس السابق لشركة Electrobras والمدير الحالي لمركز Coppe -UFRJ، وهو مركز مختص بأبحاث الطاقة: "أعتقد أن مطالبة البرازيل بعدم استخدام طاقتها الهيدروكربونية يشبه مطالبة دولة غنية بالنفط بعدم استخراج ذلك النفط من أراضيها". ويضيف "بنجويلي": اعتقادي هو أن الحكومة لم تتعامل مع موضوع سد (بيلو مونتي) بشكل جيد، لكن الضرورة تفرض عليها بناء مزيد من السدود في جميع الحالات، أما الكيفية التي سيتم بها ذلك فمسألة أخرى". والجدل المثار حول بناء سد"بيلو مونتي" يسلط الضوء على إمكانيات البرازيل الهيدروكهربائية، وجعلها موضعاً لاهتمام عالمي. وفي هذا الإطار ادعى مسؤولو ولاية "ساوباولو" أن بناء السد سوف يؤدي إلى إلحاق أضرار فادحة بالبيئة. كما أدلى " جيمس كاميرون"، مخرج الفيلم الشهير "أفاتار" والناشط في مجال حماية البيئة بتصريح كان من ضمن ما قاله فيه إن "البرازيل تتجه نحو كارثة بيئية"، ويشار إلى أن كاميرون قد انضم إلى 14 مجموعة من السكان المحليين، ومعهم الممثلة الشهيرة "سجورني ويفر" في الاحتجاج على بناء السد. ويقول المعارضون لبناء السد إن الأكلاف البيئية، وغمر أجزاء من حوض الأمازون نتيجة للمياه المتراكمة وراء السد، يفوقا بكثير المنافع التي يمكن أن تترتب عليه. ويعتقد هؤلاء أن المشروع باهظ التكلفة (10 مليارات دولار) وسوف يثقل كاهل الخزينة البرازيلية في ظل أزمة اقتصادية عسيرة. وتستطيع البرازيل أن تحصل على قدر معتبر من احتياجاتها من الطاقة عبر تحديث نظام نقل وتوزيع الكهرباء، غير الفعال، الموجود لديها، ومن خلال إجراءات أخرى منها العمل على تقليل الفاقد من الطاقة الكهربائية. وتقول "أفايفا إمهوف"، مديرة شركة "إنترناشيونال ريفرز" بكاليفورنيا، إن الدراسات أثبتت أن البرازيل "لديها إمكانيات هائلة لتحقيق وفورات ضخمة في الطاقة من خلال تحسين الإجراءات الخاصة بتحسين كفاءة استخدام الطاقة لديها، وهو ما سيكلف نفقات أقل، ويدخل حيز التنفيذ على نحو أسرع من بناء سد باهظ التكلفة مثل بيلو مونتي". وأضافت "إمهوف" قائلة: "إذا ما استثمرت البرازيل بشكل جريء في تحقيق كفاءة الطاقة فإنها تستطيع توفير كميات من الطاقة الكهربائية تزيد 14 مرة عن كميات الطاقة الكهربائية المخطط لتوليدها من ذلك السد، كما يمكنها توفير 20 مليار دولار". ويعترف المسؤولون الحكوميون أن درجة الكفاءة في استخدام الطاقة قابلة للتحسن بالطبع، لكنهم يصرون على أنه حتى مع تحقيق تلك الكفاءة، فإن كمية الكهرباء الناتجة لن تكون كافية لتلبية احتياجات البرازيل المتزايدة خصوصا مع النمو الكبير للطبقة الوسطى وتزايد استهلاكها من الكهرباء. وحالياً يستخدم البرازيليون 2,300 كيلو وات من الكهرباء للفرد الواحد سنوياً، وهو رقم قليل مقارنة باستخدام الشخص من الطاقة في دولة مثل جنوب إفريقيا (5000 كيلو وات)، والولايات المتحدة (14 ميجاوات). وتدافع الحكومة عن توليد الطاقة من خلال إنشاء السدود، لكنها تؤكد في ذات الوقت على أنه ليس هناك تعارض بين النمو وبين مقتضيات حماية البيئة. ولتوضيح هذه النقطة يقول وزير الطاقة البرازيلي: "في الوقت الراهن تعتبر السدود هي الخيار الأفضل، لكن هناك حاجة لإجراء مزيد من المفاوضات بين الحكومة والمجموعات المحلية، لأن بناء السدود لا يجب بحال من الأحوال أن يفرض فرضاً على الولايات، كما حدث مع سد بيلو مونتي". ------ اندرو دواني ساو باولو ـ البرازيل ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"