على مدى شهور عديدة كان جون كيري هو الأعلى صوتاً من بين جوقة منتقدي بوش بسبب إخفاقه في إقناع حلفاء أميركا بتحمل المزيد من العبء في العراق. أما الآن فقد جاء دور كيري كي يقوم بتوجيه اللوم إلى الحلفاء بنفسه. والمشكلة اليوم لا تتمثل في امتناع الإدارة عن خطب ود الحلفاء، ولكنها تتمثل بدلا من ذلك في امتناع الحلفاء عن السماح لأي أحد بأن يقوم بخطب ودهم.
خلال الأسابيع القليلة الماضية قام بوش، بمساعدة من الأمم المتحدة، بتنصيب القيادة العراقية الجديدة التي تحظى على ما يبدو بشرعية دولية ومحلية تكفيها لاستلام السلطة والسيادة بعد الثلاثين من يونيو الحالي. وقد اكتسبت هذه المرحلة من نقل السلطة موافقة إجماعية من جانب أعضاء مجلس الأمن الدولي ولكن اجتماع الدول الصناعية الثماني الكبرى الأسبوع الماضي أظهر أن حلفاءنا قد اكتفوا مرة أخرى بتقديم عبارات المجاملة وامتنعوا عن تقديم المساعدات الحقيقية سواء في صورة قوات، أو في صورة تخفيف ديون العراق.
على سبيل المثل يقول السيناتور كيري لنا إن حلف الناتو يجب أن يقوم بدور أكبر في العراق، ولكنه لا يدري إن كان هذا الاحتمال قد تعرض للتعطيل بسبب عناد رئيس -غير الرئيس الذي يتوجه إليه بالنقد- وهو جاك شيراك الذي يرفض قيام الناتو بأي دور في العراق. قال كيري أيضا إن الحلفاء سيجدون أنه من الصعب عليهم أن يساهموا في تحمل أعباء العراق دون الحصول أولا على غطاء أكبر من الولايات المتحدة. ونظرا إلى أن هذا الغطاء قد أصبح لدينا بالفعل... فلماذا لا يجد كيري الشجاعة الكافية في نفسه كي يقوم بالتعبير عن ذرة من الشعور بالإحباط نحو الألمان، مثلا، الذين تعهدوا على مدى الشهور الماضية بعدم تقديم قوات لإرسالها إلى العراق حتى مع الحصول على موافقة من الأمم المتحدة بذلك.
بداية، يجب على كيري أن يقوم بسد الفجوات التي حدثت داخل دائرة مؤيديه التي ضربتها انقسامات كبيرة. فالاستبيان الذي قمت أنا بإجرائه بالتعاون مع زملائي في (جامعة ديوك) يؤكد أن كيري - وعلى العكس من الرئيس بوش- رجل يتبنى آراءً بشأن العراق تختلف مع آراء قاعدته الانتخابية.
على العكس من ذلك نجد أن مؤيدي الرئيس بوش يرددون إلى حد كبير صدى ما يقوله رئيسهم. الظاهر أمامنا الآن هو أن الشيء الوحيد الذي يوحّد بين مؤيدي كيري، والميالين إليه، ومن لا يزالون مترددين، هو موقف النقد للأخطاء المعروفة التي ارتكبها الرئيس بوش. لذلك، فإن المرشح الديمقراطي للرئاسة ليس لديه الآن سوى استراتيجية تعتمد إلى حد كبير على نقد خصمه، وهو نقد يكون أحيانا منصفا وفي أحيان أخرى لا يكون كذلك، ولكنه في جميع الأحوال يكون لاذعا. وبالإضافة إلى المشكلة التي كشف عنها ذلك الاستبيان، فإن السيد كيري يعاني من مشكلة في الأسلوب. فتقييم سجله السياسي كان يدل دائما على أن الرجل يميل نحو النقد أكثر مما يميل نحو حل المشكلات. وأكبر مساهماته في حقل السياسة الخارجية كسيناتور تمثلت في إجراء تحقيقات تنتقد الرؤى والأفكار السائدة. وعلى رغم أن تلك التحقيقات كانت فائقة الأهمية في بعض الحالات، فإن كيري لا يستطيع حتى الآن أن يشير إلى أي تشريع يمكن أن يكون قد اشترك في صياغته وورد فيه حل من الحلول ولم يقتصر فقط على الانتقادات.
قد يكون كيري وفريقه متخوفين من التدخل فيما لا يعنيهم من شؤون السياسة الخارجية، أو قد يكون هو نفسه خائفا من التصرف وكأنه قد أصبح بالفعل جالسا في البيت الأبيض. ولو كان هذا هو موقفه فإنه سيكون موقفا يدل على نوع من الحصافة والحكمة. وإن كان يجب أن يذكر هنا أنه قد اقترب أكثر من اللازم من الحد الخطر في الخطاب الذي ألقاه في مايو الماضي عندما ألقى القفاز في وجه بوش وتحداه علنا أن يتمكن من الحصول على المزيد من الدعم العالمي بشأن موضوع العراق. وعندما يقول كيري إنه إذا ما فشل الرئيس بوش في الحصول على الدعم العالمي، فإنه يجب ألا يعاد انتخابه مرة ثانية، فإنه يكون بذلك قد عرض نفسه إلى تهمة وهي أنه يقوم بتحريض واضح للحلفاء كي يواصلوا سياساتهم في الامتناع عن مد يد العون لبوش.
وكان باستطاعة كيري أن يحصن نفسه ضد هذا النقد، لو كان قد أشار إلى عدم رضاه نحو الأوروبيين نظرا لعدم قيامهم بتقديم المساعدة لأميركا على الخروج من الوضع الصعب الذي تواجهه في العراق. مع ذلك نقول إن الوقت لم يفت، وإنه لا يزال بمقدوره أن يفعل ذلك من خلال حفظ عدة فقرات منتقاة بشكل جيد ومن ثم القيام بتكرارها بشكل مستمر لبلورة موقف واضح قد يساعده في حملته الانتخابية. ونظرا إلى أن حملته قد أكدت لنا بالفعل أن قادة دول الحلفاء يحترمونه أكثر مما يحترمون السيد بوش، فإن قيامه بتوبيخ بوش قد يفيد، أو على الأقل قد يوضح أن المشكلة التي يعانيها بوش في سبيل الحصول على مساعدات من الحلفاء تعود إلى أسباب أعمق بكثير من "دبلوماسيته الخارجية المتسمة بعدم الكفاءة".
بالطبع يوجد تناقض مصالح أكثر عمقا، يجب على كيري أن يتغلب عليه. فحظوظ الرئيس بوش السياسية ستتحسن إذا ما تحسن