يبدو أن القضية الفلسطينية بدأت تأخذ منحاً جديداً بعد نجاح الأتراك في حشد التأييد الدولي أخيراً لرفض ما قامت به إسرائيل من اعتداء واضح في المياه الدولية على أسطول المساعدات المتوجه إلى غزة. لقد تعودت إسرائيل على سياسة الذبح والقتل والتدمير دون أن تحسب للعالم الآخر حساب، لأنها قوة فوق كل قوة، ففي ما مضى من تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، قُتل آلاف الفلسطينيين، وهجر منهم الكثيرون، ولكن العالم كأن على رأسه الطير، فهو يرى ويسمع ولكن لا يستطيع حتى التعليق. أما اليوم، فقد بدأ فجر جديد من هذه المعركة الأزلية، هذا الصباح المشرق الذي لقي فيه أفراد ربهم، وسالت دماؤهم في عرض البحر، لتلون البحر الأبيض بلون جديد اسمه، حرب العالم الحر على الاستعمار الخاسر، لأول مرة تبحر هذه القلوب من شتى أنحاء الأرض على اختلاف مللهم ونحلهم وتوجهاتهم لنصرة شعب أعزل. جاءت هذه الجموع لتقول للبشرية نحن أنصار الحق ولا نريد غير الحق، ومن هنا رأينا تصفيق العالم واتحاده مع هذه الخطوة، وإن اكتفى اليوم بالشجب ورفض هذه المواجهة غير القانونية، فإن المزيد من هذه الحركات سيحرك جماهير العالم الحر. نحن العرب فشلنا إلى حد ما في تدويل قضية فلسطين بسبب اختلافاتنا وتعارض مصالحنا، بل إن البعض حوّل القضية إلى شأن داخلي يقتتل فيه الفلسطيني مع أخيه في السلاح والنضال حتى قال بعض العرب إن قضية فلسطين قضية داخلية لابد من حلها بين الفلسطينيين أولاً، وعندما تحركت إيران للاستفادة من هذا النزاع واستثمار موجة الاختلاف العربي والتشرذم الفلسطيني، كي تجعل من دعمها بياناً صارخاً على أنها هي من تدعم قضية المسلمين الأولى وهي من تناصر الضعفاء في فلسطين ولبنان، جلس العرب يضربون أخماسا بأسداس في طرق الخروج من هذه الورطة. وها هو الأمل يلوح من جديد فتركيا لا تهدد العرب، وليس لها نزاعات تذكر معنا، فهل نتحد معها كي ننجح في إخراج الفلسطينيين من مأزق آن لهم أن يتجاوزوه ويركزوا على قضيتنا الأولى وهي فلسطين المحتلة. التاريخ قال لنا إن فلسطين فتحها عمر العربي وحررها صلاح الدين الأيوبي الكردي، فهل ينجح أردوغان التركي في وضع بصمة في تاريخ هذا الصراع الأزلي بين الحق والباطل؟ وهل ننجح نحن كعرب في إرسال رسائل مشابهة إلى العالم الحر كي نقول لهم بصوت واحد إن ديمقراطيتكم الحقيقية تتجلى في أن يحكمكم من لا يرضى بالظلم؟ شعوب العالم الحر لديها القدرة على رفض السياسات الظالمة، وهذا هو مصدر قوتها، ومن هنا نجح الأتراك في إيصال هذه الرسالة التي حار الغرب في ردها، لأنها جاءت أوضح من الشمس في رابعة النهار، مفاد هذه الرسالة كان: لقد جاء الوقت الذي لا نخاف فيه من الحق، وأزفت اللحظة التي ينبغي أن يعود فيها العالم إلى رشده. انتهى ورق إسرائيل الذي كانت تلعب به، والذي تلخص في أنهم "أمة مظلومة عبر التاريخ" لابد من نصرهم، لكنهم تحولوا إلى ظلمة لابد من ردعهم.