إذا كانت جراح الحرب الأهلية في جنوب السودان قد اندملت ويجري العمل الآن على إنهاء تضميدها فإن جرحاً آخر للسودان في منطقة دارفور ما زال ينزف على رغم تكاثر الجهود وتعددها للوصول إلى حل دائم واستقرار مستمر. لقد توصلت حكومة السودان إلى اتفاق لإيقاف القتال في هذا الجزء من السودان الغربي تم التوقيع عليه في عاصمة جمهورية تشاد قبل بضعة أسابيع وتحت إشراف رئيس تلك الجمهورية وبرقابة من قوى إقليمية ودولية متنوعة. تم في ذلك الاتفاق التزام تام من طرف الحكومة وحركة تحرير دارفور على إيقاف كل أنواع العداء المسلح والجلوس إلى طاولة المحادثات.
نحو مليون مواطن شردوا من ديارهم وقراهم ما زالوا في حاجة ماسة إلى العون والغوث ولمّا كان فصل الخريف في هذا الجزء من السودان قد بدأت بواكيره فإن التعجيل بالإغاثة يصبح أمرا ضرورياً لأن تدفق الأمطار يمكن أن يعيق حركة توصيل المؤن في إقليم واسع لا تربط بين أجزائه إلا طرق غير معبدة، ولا تكفي الطائرات التي لا يتيسر هبوطها إلا في عدد محدود من المدن المتفرقة لسد حاجة كل أنحاء الإقليم.
وما عاد تناول أزمة دارفور مقصوراً على السودان ذلك أن الأزمة كانت بالحدة التي استدعت قدراً من التدخل الإقليمي وكذلك التدخل من خارج الإقليم. واتضح خلال الأيام القليلة الماضية أن هناك مسعى أميركياً لنقل قضية دارفور إلى مجلس الأمن بهدف إصدار قرار يجبر حكومة السودان على نزع السلاح من المليشيات المؤيدة لها والسماح، بالقوة إذا اقتضى الأمر، للمنظمات الإنسانية والمساعدات التي تقدمها للتحرك بحرية والوصول إلى المتضررين من أهل المنطقة. ولم يكن مستغرباً في هذا الجو أن يعلن في الخرطوم صباح الأربعاء 16 يونيو أن السيد كوفى عنان الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة يزمع الحضور إلى السودان قريباً بهدف زيارة دارفور والوقوف فيها على حقائق الوضع.
بعد زيارة كارول بيلامى المدير التنفيذي لمنظمة اليونسيف لدارفور، قال إنه اهتز كثيراً من قصص النساء اللواتي هربن من بيوتهن بأطفالهن بعد أن قتل أزواجهن وتعرض بعضهن للاغتصاب، وقال أيضا إن كل من قابله كان خائفاً من أن يرجع إلى دياره. كل هذا يحمل مؤشرات كافية على أن المجتمع الدولي بقيادة واشنطن ينظر إلى أزمة دارفور نظرة جادة وأن التدخل الدولي بصورة مباشرة بات أمرا محتملاً وقوعه في أية لحظة.
لقد سعت الخرطوم للحيلولة دون الوصول إلى مرحلة التدخل الأجنبي، ومن ذلك تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث دارفور الدامية. ولكن ذلك النوع من الحلول لا يمكن أن يثمر في أسبوع أو أسابيع والمحنة لا تحتمل الإرجاء والوضع الإنساني يعكس صوراً بالغة السوء والتدهور مما يحفز المجتمع الدولي للجوء إلى التدخل.
إن حرب السودان الأهلية التي كان مسرحها الجنوب وبعض مناطق الجنوب الغربي والجنوب الشرقي لم يتيسر الوصول إلى حل لها إلا بالتدخل والوساطة الإقليمية المدعومة دولياً. فهل تتكرر التجربة في دارفور كذلك أم يوفق السودانيون في إنهاء المحنة قبل أن يضطروا لقبول تدخل دولي قد لا يكون رفيقاً كما حدث في أزمة الجنوب؟