إدانة للعدوان على "أسطول الحرية"... وملامح "الانكفاء" في الاستراتيجية الأميركية إدانة وزير الداخلية الفرنسي على خلفية تلفظه بعبارات عنصرية، والتداعيات المترتبة على العدوان الإسرائيلي على "أسطول الحرية"، وملامح الانكفاء الأميركي في استراتيجية أوباما الجديدة، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. إدانة وزير الداخلية! علّق معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الجهوية الفرنسية يوم أمس السبت على دلالات إدانة وزير الداخلية الفرنسي "بريس هورتوفيه"، والحكم عليه بدفع تعويضات بسبب تلفظه بعبارات سوقية عنصرية ضد العرب الفرنسيين. في افتتاحية "لوكورييه بيكار" قال "ديدييه لوي" إن من المزعج حقاً رؤية أحد وزراء الجمهورية -تقتضي وظيفته العمل لترسيخ دعائم النظام العام ومحاربة كافة مظاهر التمييز وإعلاء كلمة القانون واحترام الآخر- وهو يجلس على مقاعد الاتهام. والأكثر إزعاجاً من ذلك هو أن يستدعي من يتولى أعلى المسؤوليات من "بلاغة" الشارع عبارات سوقية يعاقب عليها القانون. ولاشك أن هذه الواقعة مليئة بالعبر والدروس، على كل حال. ولذا وضعت العدالة النقاط على الحروف لتقول، بعبارات واضحة، إن "هورتوفيه" قد تعمد أذية مشاعر العرب، ولذا فإن الجدل الذي أثير ضده بعد تصريحاته تلك كان مبرراً تماماً، حتى لو لم يخلُ من تجييش الإعلامي، وشخصنة استهداف للوزير. وفي افتتاحية ثانية كتبها ميشل فاغنر في "ليست ربيبلكن" قال في البداية إن من المفهوم ألا يكون أحد، كائناً من كان، فوق القانون، وهذا ما بات يدركه الآن وزير الداخلية، دون شك. فلا تسامح، بعد اليوم، مع العنصرية. وقد أظهرت محكمة باريس ذلك، بالطريقة التي ينبغي إظهاره بها، حين أدانت "هورتوفيه"، في سابقة هي الأولى ضد وزير داخلية، على رأس عمله. وأخيراً في افتتاحية "درنيير نوفل دالزاس" اعتبر أولفيه بيكار أن الأهم في هذه القضية هو ما دلت عليه من عِبر ودروس، ابتداءً مما يمكن أن يتعلمه منها من يتقلدون المسؤوليات العمومية الكبيرة، حيث يتعين عليهم أن يضعوا في حسبانهم أن يكونوا حذرين ومنتبهين جداً لما يقولون، حتى لو كان الواحد منهم يتكلم في إطار مأدبة، أو لقاء ضمن أسرته السياسية، أو حتى في دائرة ضيقة من الأصدقاء. وليس هذا هو الدرس الوحيد، فللمسألة أيضاً معانٍ أخرى لجهة الارتقاء في الأداء الحكومي أخلاقيّاً ومهنيّاً، وخاصة أنه ما زال ينتظر فرنسا والفرنسيين، الكثير من الجهد لكسب الرهان في مواجهة التمييز، والتفرقة، وكل ما من شأنه عرقلة الطريق إلى قيمة المساواة المنشودة. يذكر، ختاماً، أن إدانة وزير الداخلية، صدرت على خلفية قضية رفعتها ضده منظمة حقوقية، بسبب ما قيل إنه "مزاح" سمج صدر منه لأحد الشبان، من أصول عربية، في لقاء للحزب الحاكم، حين خاطبه بعبارة سوقية فرنسية معناها تقريباً أن وجود عربي لا يطرح مشكلة، ولكن إذا زاد العدد فهنا المشكلة، كل المشكلة! العدوان على "أسطول الحرية" الكاتب بيير روسلين ذكَّر في افتتاحية صحيفة لوفيغارو بما اعتبره قاعدة غير مكتوبة سارية في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مؤداها أنه كلما ظهر ضوء شحيح من الأمل في نهاية النفق، جاءت مأساة وبددته دون رحمة. وهذا هو ما وقع الآن بالضبط مع العدوان الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية لرفع الحصار عن غزة، لجهة آثار ذلك الهجوم السلبية على جهود إحياء عملية السلام التي انطلقت مؤخراً، على استحياء، في المحادثات غير المباشرة. وشبّه الكاتب التداعيات السلبية الكثيرة المترتبة على الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية بعملية اغتيال رابين عام 1995 وما أدت إليه من انهيار شامل لاحق لعملية سلام "أوسلو". ولا يرجح روسلين ما تردد من احتمال إسهام التصعيد الراهن في دفع أوباما لفرض خطته لحل الصراع، إذ لا شيء يشير في هذا الاتجاه الآن، خاصة في ضوء الموقف المرتبك والمتردد الذي صدر عن واشنطن تجاه الهجوم الإسرائيلي. على أن من التداعيات المتوقعة أيضاً تقوية موقف "حماس"، يقول الكاتب، وإلحاق الضرر بموقف الأطراف الفلسطينية المعتدلة، وخاصة أن الحقيقة أصبحت واضحة أمام أميركا وأوروبا، بعد انكشاف فشل "سياسة النعامة" التي تتبعانها إزاء حصار قطاع غزة، إذ تأكد الآن، للرأي العام الدولي، أن سكان القطاع هم المتضرر الأول والأخير من الحصار الإسرائيلي، وليس حركة "حماس". ومن ضمن التداعيات أيضاً اتساع شقة الجفوة المتنامية بين أنقرة وتل أبيب. والأرجح أن تكون علاقات العاصمتين مقبلة على مراحل من الشد والتوتر غير مسبوقة. وأخيراً ستكون أيضاً لإفلات إسرائيل المزمن من العقاب الدولي على ممارساتها، تداعيات بالغة السوء، على صورة الغرب لدى الرأي العام في الشرق الأوسط، وسيؤثر ذلك سلباً، بكل تأكيد، على المعركتين الغربيتين المصيريتين، لكسب القلوب والعقول، في العراق وأفغانستان. وفي سياق متصل، كتب آلان فراشون تحليلاً سياسيّاً آخر في صحيفة لوموند ركز فيه على استشراف مستقبل التصعيد الراهن في العلاقات التركية- الإسرائيلية تحديداً، معتبراً أن ما جرى هذا الأسبوع، يضع الحجر الأخير في سور الجليد الذي بات يفصل بين أنقرة وتل أبيب، ويشكل منعرجاً تاريخيّاً في علاقاتهما التي كان ينظر إليها تقليديّاً على أنها علاقات شراكة وتحالف إقليمي. واعتبر الكاتب أن أنقرة الطامحة للعب دور القوة الإقليمية المؤثرة، والدولية الصاعدة، مصممة الآن على توظيف كافة أوراق قوتها لتعظيم دورها في المنطقة والعالم، عبر دبلوماسية بالغة الديناميكية والتعقيد. ومع العدوان الإسرائيلي على القافلة البحرية، التي سيرتها منظمة غير حكومية تركية طبعاً بموافقة حكومة أردوغان، طفح كيل الغضب التركي أخيراً من ممارسات الدولة العبرية، وهو غضب إن بقي حتى الآن في حدود سحب السفير والاحتجاج، إلا أنه يتعين عدم التقليل من شأن الحديث عن قطع العلاقات، بعد تقليصها إلى الحد الأدنى، الذي بدأ يتردد الآن بالفعل في أروقة حكومة أنقرة. وفي المحصلة فإن الأيام التي كانت فيها علاقات العاصمتين تسمح بالحديث عن تحالف أو شراكة استراتيجية -كتلك التي وقعها الطرفان عام 1996- باتت الآن ذكريات من الماضي، وربما تكون في الانتظار مواعيد عصيبة. وفي افتتاحية بصحيفة ليبراسيون حاول الكاتب فرانسوا سيرجان التغريد خارج سرب الاتجاه العام لافتتاحيات الصحف الكبرى شبه المجمعة على إدانة الهجوم الإسرائيلي، فقد دعا، في مسعى لإظهار "توازن" مزعوم، إلى عدم تحميل الشعب الإسرائيلي تبعات ممارسات حكومته، مقابل دعوته لعدم تعريض الفلسطينيين أيضاً في قطاع غزة للحصار بسبب الموقف من حكومة "حماس". أما الكاتب "جان ديكوين" فقد هاجم في افتتاحية صحيفة "لومانيتيه" أولئك الذين يعتذرون ضمناً عن ممارسات إسرائيل بزعم كونها موجهة لإضعاف "حماس" مذكراً بأن الحركة لم توجد أصلاً إلا بسبب ممارسات ومواقف الاحتلال من حركة "فتح" وضد قيام الدولة الفلسطينية، تماماً مثلما أن الجرائم التي يقترفها قادة إسرائيل تصب أيضاً في النهاية في صالح الفصائل الأكثر تطرفاً في الجانب الفلسطيني. تراجع أميركي تحت هذا العنوان استعرضت افتتاحية لصحيفة لوفيغارو الخطوط العريضة والديباجات الأساسية للاستراتيجية الجديدة للأمن القومي التي أطلقها أوباما يوم 27 مايو المنصرم، مشيرة إلى أن الملمح العام الذي يمكن تسجيله بعد قراءتها هو أن بلاد "العام سام" تنزع الآن إلى التراجع والانكفاء على نفسها. ولاشك أن هذه الاستراتيجية تستجيب للتطلعات الواسعة في صفوف المحللين والمعلقين الأميركيين نحو إحداث قطيعة حقيقية مع "عقيدة بوش" التي كانت تعتمد على الأحادية والحروب الاستباقية. وتنقل لوفيغارو عن المحلل السياسي الأميركي "ليسلي جيلب" قوله إن استراتيجية أوباما الجديدة هي في الواقع "كاتالوج" واسع من الأهداف الصحيحة سياسيّاً، ولكن ينقصها تحديد أولويات واضحة، على نحو قد يحول دون اعتبارها "استراتيجية" بالمعنى المعتاد للكلمة. ويبدو هذا الرأي أقرب إلى السلبية، وخاصة أن "جيلب" لفت الانتباه إلى أن ربع الصفحات الستين التي صدرت فيها الاستراتيجية منصبٌّ على المسائل السياسية الداخلية الأميركية، وقد تم تبرير ذلك بحجة أن أميركا لا يمكن أن تكون قوية خارجيّاً إذا افتقدت هذه الصفة في الداخل. هذا إضافة إلى أن فريق أوباما قد اختزل المهددات الكثيرة والحقيقية للأمن القومي الأميركي، كما قلل الاهتمام بالمنظومة القيمية ضمن أولويات الجهد الأميركي، مثل مسألة ترويج الديمقراطية في الخارج. ثم إن الحديث عن قضايا الصحة والتعليم، على أهميتها، ضمن قضايا "الأمن القومي"، يجعل أيضاً هذا الأخير يكتسب معنى جديداً، واسعاً سعة تجعله لا يعني شيئاً محدداً على الإطلاق. إعداد: حسن ولد المختار