في 31 مايو المنصرم استيقظنا على الأخبار المأساوية القادمة من المياه الدولية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وكما نعرف جيداً، أنه بدلاً من أن ينتهي اليوم بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة للتخفيف من بؤس ومعاناة سكانها بدأ بقتل الجنود الإسرائيليين لتسعة من ناشطي السلام وجرح أكثر من ثلاثين آخرين كلهم من المدنيين، ويجب التذكير هنا أن أسطول الحرية لم يكن مبادرة من الحكومة التركية، بل كان موكباً دولياً يضم مواطنين من 32 دولة محملين بالغذاء والإمدادات الطبية إلى شعب غزة الذي حُرم من السلع الأساسية لسنوات طويلة. ومن بين النشطاء الـ600 الذين كانوا على متن السفينة، الحائزة على جائزة نوبل للسلام "ميريد كوريجان-ماجواير"، بالإضافة إلى برلمانيين وصحافيين أوروبيين، ورجال أعمال، ناهيك عن إحدى الناجيات من الهولوكوست تبلغ من العمر 86 سنة. ومهما كانت الشعارات التي رفعها النشطاء ومعارضتها لإسرائيل فإنها تبقى على كل حال جزءا من حرية التعبير التي تؤمن بها الدول الديمقراطية ما لم تتحول إلى أعمال عنف، ولأن الهجوم الإسرائيلي على السفينة جرى في عرض المياه الدولية على بعد72 ميلا من السواحل الإسرائيلية فإنه كان غير شرعي، بل إنه على مدار تاريخ الجمهورية التركية الذي يمتد على 87 سنة كانت هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها مدنيون أتراك للهجوم من قبل جيش أجنبي. لكن الانتهاك الصارخ للقانون الدولي وفقدان مواطنين أتراك لحياتهم، ثم الاحتجاز المطول وغير المبرر لركاب السفينة لا يفسر إلا جزءاً من ردة فعل الجمهور التركي ومعه المجتمع الدولي الذي صدمه التدخل الإسرائيلي وجعل الحكومة التركية تعرب عن غضبها إلى حد دفعها إلى سحب سفيرها فوراً وإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة كانت مقررة مع الجانب الإسرائيلي. أما السبب الآخر الذي يفسر هذا الغضب التركي، فهو علاقات الصداقة التي جمعتها بإسرائيل باعتبارها أول دولة مسلمة تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد فترة قصيرة من قيامها، لذا لم يكن الهجوم الذي تعرضت له تركيا قادماً من عدو لدود بل من صديق عملت معه تركيا لمدة طويلة لبناء تعاون استراتيجي واقتصادي. ويتضاعف الشعور بالألم لدى الأتراك لأن بلادهم استقبلت على مدى قرون بصدر رحب اليهود الفارين من الاضطهاد، حيث رحبت الإمبراطورية العثمانية باليهود الهاربين من محاكم التفتيش الإسبانية بعد سقوط الأندلس في العام 1492، كما أن دبلوماسيينا جازفوا بحياتهم لإنقاذ اليهود الأوروبيين من النازية خلال الحرب العالمية الثانية ووفروا لهم الملاذ الآمن، كما أن تركيا في السنوات الأخيرة لعبت دوراً مهماً كوسيط للسلام بين سوريا وإسرائيل، وساندت أيضاً انضمام الدولة العبرية إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ناهيك عن المساعي التركية لإطلاق سراح الجندي "جلعاد شاليط". لكن هذا لن يمنعنا من الجهر بغضبنا عندما يُمارس الظلم، حتى لو كان الأمر يتعلق بصديق، فنحن لا نستطيع إغماض أعيننا عندما يفقد مواطنونا الأبرياء حياتهم خلال هجوم غير شرعي لأنهم كانوا يدافعون عن فك حصار جائر وغير إنساني على سكان غزة، كما لا يمكننا الوقوف متفرجين على تصرفات تهدد بنسف جهود السلام في منطقة مضطربة، ويمكن لإسرائيل أن تبدأ بإصلاح الوضع بإنهاء الحصار على غزة وبوقف تصرفاتها المفرطة في استخدام العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، وبالسماح بإجراء تحقيق دولي، مستقل وشفاف للكشف عن ملابسات الحادث، وأخيراً يتعين على إسرائيل التقدم باعتذار للأمة التركية. ناميك تان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سفير تركيا لدى الولايات المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"