تدهور العلاقات التركية- الإسرائيلية... ودعوة لفك الحصار على غزة فتح تحقيق في حادثة "أسطول الحرية"، وضرورة فك الحصار على غزة، وتعالي الانتقادات الموجهة لإسرائيل، والدعوة إلى إغلاق مكتب فضائية "الجزيرة" في الدولة العبرية...قضايا نسلط عليها الضوء في قراءة سريعة للصحافة الإسرائيلية. "لجنة تحقيق تابعة للدولة" في افتتاحيتها ليوم أمس كانت صحيفة "هآرتس" واضحة وصريحة في دعوتها لإقامة لجنة خاصة تابعة للدولة تتولى التحقيق في الهجوم الذي نفذته القوات الإسرائيلية الخاصة على "أسطول الحرية" في عرض البحر الأبيض المتوسط، وأسفر عن مقتل تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة. الحاجة إلى هذا التحقيق تنبع من الأضرار التي لحقت بصورة إسرائيل على الصعيد الدولي، والعزلة التي ما فتئت تحكم خناقها على الدولة العبرية بسبب ما تراه الصحيفة أخطاء ارتكبت على مستوى اتخاذ القرار، بحيث باتت إسرائيل في أنظار الرأي العام الدولي مجرد بلد اعتاد على اختراق القانون والإفلات من العقاب، لكن بالإضافة إلى ضرورة ترميم صورة إسرائيل العالمية واستعادة الثقة في مقوماتها الأخلاقية يتعين أيضاً وانطلاقاً من تلك المقومات نفسها التي تأتي في مقدمتها المبادئ الديمقراطية البحث في سلوك الساسة الذين كانوا وراء الحادث وألحقوا الضرر بإسرائيل، فلا بد، تقول الصحيفة، من فتح تحقيق تشرف عليه لجنة تابعة للدولة يعين أعضاؤها من قبل المحكمة العليا دون ارتهان إلى أصحاب القرار. وأن تقدم ضمانات قانونية لأعضاء اللجنة بأن لا يتعرضوا للانتقام السياسي بحيث تكون مهمتهم البحث ليس فقط في الأخطاء العسكرية التي ارتكبت، بل في الطريقة التي اتخذ بها القرار السياسي. وفي هذا السياق لا بد من تحميل المسؤولية إلى الثلاثي نتنياهو وإيهود باراك، وليبرمان الذين يعتبرون المسؤولين الحقيقيين عن الحادث، كما ترفض الصحيفة اقتراح بعض الجهات داخل الحكومة الاكتفاء بتحقيق داخلي لأن ذلك من شأنه قصر المسؤولية على الجانب العسكري والخروج بتقرير يبرر ولا يدين السياسيين. "فك الحصار على غزة" في سياق انتقاداتها المستمرة لسياسة حكومة نتنياهو واصلت "هآرتس" في افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي تقريع السياسة المتبعة في إسرائيل وتعاملها مع الحادث الذي هيمن على جل التقارير الصحفية وأرخى بظلاله على النقاش الداخلي، فالصحيفة تعتقد أن الكارثة الاستراتيجية التي ألمت بإسرائيل جراء التعامل المتهور مع "قافلة الحرية" وتدهور العلاقات الإسرائيلية مع تركيا التي كانت تشكل إحدى الركائز المهمة للعلاقات الخارجية الإسرائيلية في منطقة لا تحمل لها الكثير من الود، يقتضي مراجعة السياسة الإسرائيلية تجاه غزة وذلك في اتجاه رفع الحصار المفروض على مليون ونصف مليون فلسطيني، أو على الأقل تخفيف القيود المفروضة على القطاع وفتح المعابر لمرور البضائع الضرورية لتحسين الظروف المعيشية للسكان في غزة، فلا يعقل، تقول الصحيفة، الاستمرار في منع وصول الإمدادات التي تشمل مواد أساسية بدعوى المخاوف الأمنية واحتمال استخدامها لصنع الأسلحة، لأن مثل تلك الحجج لم تعد تنطلي على أحد في العالم وبات موقف إسرائيل الأخلاقي والسياسي غير قابل للاستدامة، لكن بدلا من تدارك الأخطاء ومعالجة الأسباب الحقيقية للعزلة الإسرائيلية المتزايدة تنتقد الصحيفة بشدة محاولات نتنياهو وحكومته اليمينية تحويل الأنظار بالتركيز مرة أخرى على الخطر الإيراني وعلى المؤامرة العالمية ضد إسرائيل، في تغافل تام عن سياسة حكومته المسؤولة عن هذا التدهور في علاقاتنا الدولية، فقد كان لافتاً حسب الصحيفة إشارة مؤتمر عدم الانتشار النووي الذي عقد في نيويورك إلى السلاح النووي الإسرائيلي ودعوة الدولة العبرية إلى التوقيع على معاهدة عدم الانتشار النووي، وفي الإطار نفسه أيضاً ألغت الدول العربية اجتماعاً كان مقرراً عقده في برشلونة بين البلدان المتوسطية بسبب التدخل الإسرائيلي العنيف ضد السفينة التركية، كل هذه الأضرار والمخاطر تلزم الحكومة الإسرائيلية بتغيير وجهتها والتعامل بجدية أكبر مع الانتقادات الدولية. "موسم الانتقادات" أثارت التصريحات المثيرة التي أدلت بها عميدة الصحفيين الأميركيين المعتمدين لدى البيت الأبيض وإحدى سيدات الإعلام المخضرمات في الولايات المتحدة، هيلين توماس، بضرورة عودة اليهود إلى ألمانيا وبولندا وترك فلسطين لأصحابها موجة من السخط العارم في أوساط اليهود سواء داخل إسرائيل أو خارجها عكسها مقال الكاتب الإسرائيلي "شمولي بوتيش" في صحيفة "جيروزاليم بوست" أمس الثلاثاء الذي اعتبر فيه تصريحات "هيلين" جزءاً من موجة معادية تتعرض لها إسرائيل في الآونة الأخيرة تنطوي، كما يقول، على النفاق والمعايير المزدوجة لأنها تنتقي إسرائيل وتسكت عن دول أخرى، وهنا يتساءل الكاتب عن ردة فعل أوباما لو كانت الصحفية استهدفت السود الأميركيين وطالبت بعودتهم إلى أفريقيا، أو قالت إنه يتعين ترحيل المهاجرين إلى المكسيك، هل كان رد أوباما سيأتي متساهلاً؟ والأكثر من ذلك يلاحظ الكاتب أن هذه الحملة العشواء كما يسميها لا تقتصر على الأوساط غير اليهودية، بل تمتد أيضاً إلى العديد من اليهود الذين ينتقدون إسرائيل بدل الدفاع عنها ومن بينهم مسؤولون بارزون في إدارة أوباما وشخصيات ثقافية بارزة مثل الروائي الأميركي اليهودي "مايكل شابون" الذي شكك في ذكاء اليهود واعتبره مجرد مبالغة، هذا الانتقاد الصادر من اليهود أنفسهم تجاه دولة إسرائيل يعطي تبريراً للآخرين للهجوم على السياسات الإسرائيلية، رغم ما تواجهه الدولة العبرية، كما يقول الكاتب، من أخطار وتهديدات أمنية، ولا ينسى الكاتب أيضاً انتقاد تركيا التي صعدت من لهجتها المناوئة لإسرائيل في الفترة الأخيرة داعياً حكومتها إلى إنهاء ما سماه احتلالها لقبرص واحترام حقوق الإنسان قبل اتهام تل أبيب بانتهاك القانون الدولي. "الجزيرة وعش الدبابير" كتب المعلق الإسرائيلي "هاجاي سيجال" مقالا في صحيفة "يديعوت أحرنوت" يوم الإثنين الماضي يدعو فيه بإغلاق مكتب قناة "الجزيرة" في إسرائيل وسحب بطاقات الاعتماد من صحفييها لأنها حسب رأيه تمثل امتداداً للحملة التي تشنها بعص وسائل الإعلام على إسرائيل بعد حادثة أسطول الحرية، بل إن القناة، يقول الكاتب، لا تتردد في خدمة أجندة "حماس" بالترويج لمواقفها والدفاع عن آرائها، ورغم ما قد يثيره قرار إغلاق مقر الجزيرة في إسرائيل من لغط دولي حول حرية التعبير والسماح بتداول وجهات النظر المختلفة، يعتقد الكاتب أن مصلحة إسرائيل تقتضي التعامل بحزم مع القناة، وإذا ما صعُب على المدعي العام إصدار قرار الإغلاق لحساسية موضوع الحريات في إسرائيل، فإن التهمة جاهزة يقدمها الكاتب للمدعي العام بأن يعتبر القناة منظمة إرهابية ما دامت تقف إلى جانب "حماس"، ويذكرنا الكاتب أيضاً بالقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، بمقاطعة قناة الجزيرة وإن كان لم يطبق على أرض الواقع، مشبهاً في السياق نفسه القناة بعش الدبابير الذي يثير العواصف في وجه إسرائيل ويضرب مصداقيتها ما يحتم على الدولة إغلاق مقرها وطرد صحفييها. إعداد: زهير الكساب