خيراً فعلت الجماهير العربية التي خرجت في مظاهرات حاشدة للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية، وكذلك بيانات التنديد التي أصدرها مجموعة من المثقفين ومنظمات المجتمع المدني العربية، للمطالبة بفك الحصار على قطاع غزة، ومحاكمة قادة إسرائيل باعتبارهم مجرمي حرب. فهذه الجماهير التي خرجت للتعبير عن غضبها من الإرهاب الإسرائيلي، مؤشر على عودة الوعي تجاه قضايا الأمة، وهو ما سيكون له تأثير على الواقع، ومن ثم بلورة قرارات عربية فعالة تعادل مستوى الأخطار التي تواجهها الأمة في هذه المرحلة من تاريخها، خاصة بعد أن انكسر الاحتكار الصهيوني للإعلام وأصبح هناك إعلام آخر قادر على توصيل وإظهار ممارسات إسرائيل الحقيقية. لقد أصبحت الدولة العبرية اليوم عارية تماماً أمام العالم، ولم تعد قادرة على خداعه وتضليله وابتزازه، كما كانت تفعل طوال أكثر من ستين عاماً، وهذه بعض الأمثلة: النائب الديمقراطي الأميركي "دنيس كوسينيتش" وجَّه رسالة إلى الرئيس أوباما طلب منه ألا يمر الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية دون محاسبة، وقال "إن هذا الهجوم يستدعي محاسبة حكومة نتنياهو، ودولة إسرائيل"، ودعا الحكومة الأميركية إلى ضرورة فتح تحقيق دولي مستقل. أما الصحفية "هيلين توماس"، المتخصصة في شؤون البيت الأبيض منذ أربعين عاماً، فقالت إنه يجب على الإسرائيليين مغادرة فلسطين، والعودة إلى أوطانهم في ألمانيا وبولندا وأميركا. كما ذكرت صحيفة "ديرشبيجل" الألمانية أن هذا الحادث الإرهابي غير نظرة الألمان إلى اليهود ووسع مساحة العداء لإسرائيل، إلى درجة أن رئيسة مجلس الجالية اليهودية في برلين صدمت لشدة تنامي مثل هذا العداء. وإلى ذلك فقد رفع العدوان على أسطول الحرية نسبة المؤيدين لمقاطعة إسرائيل في النرويج إلى 40?، بل وصل الأمر حد قطع العلاقات مع إسرائيل كما فعلت دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا والأكوادور. إن هذا التعاطف والتفاعل الكبيرين للرأي العام العالمي مع القضية الفلسطينية، يتوجب استثماره، كما يتعين وضع استراتيجية طويلة الأمد يمارس فيها الوعي العربي دوره، مع أخذ البعد الشعبي العربي في الحسبان، واستثمار وعيه الجديد كعامل مساند لتسهيل مهمة القادة العرب في اتخاذ قرارات مصيرية، بعيداً عن الضغوط الخارجية والحسابات السياسية غير المبررة عقلياً. إن الكثير من مؤيدي إسرائيل، في الشرق والغرب، أصبحوا -أمام ممارساتها المتكررة- يجدون صعوبة في مسايرتها، ولم يعودوا قادرين على تبرير سياساتها النازية، وأصبحت إسرائيل في نظر كثير منهم دولة إرهابية بعد أن كانت "ديمقراطية"، وهذا ما قاله كارتر بعد زيارته الأخيرة لقطاع غزة: "إن الحصار واحد من أكبر الجرائم الإنسانية على الأرض، والإسرائيليون يعاملون الفلسطينيين كالحيوانات". ولعل الموقف التركي من الحصار على الشعب الفلسطيني، يستحق الإشادة والتقدير، وقد وصف أردوغان ما اقترفته إسرائيل بأنه عمل إجرامي ينافي الضمير الإنساني، وحذرها من تكرار هذه الجريمة مع تركيا، لأن الثمن سيكون باهظاً جداً، وأضاف: إذا التزم الجميع الصمت، فتركيا لن تدير ظهرها لغزة، وستواصل تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني المحاصر. وكنت أتمنى أن يكون القادة العرب هم السباقون إلى مثل هذا الموقف، وأن لا يواصلوا التفرج على حصار الشعب الفلسطيني البطل. لكن لعل هذه الأحداث تبدو مقدمة لعودة الوعي واليقظة العربيين، وبداية الخروج من النفق المظلم الذي دخله العرب منذ عقود. ولعل قرار مصر بإعادة فتح معبر رفح لنقل المساعدات العاجلة إلى القطاع المحاصر، هو بداية الطريق أمام عودة الوعي المرتقب.