عن عمر يناهز 93 عاماً توفي يوم السبت الموافق 6/6/2004، الرئيس الأربعون للولايات المتحدة الأميركية رونالد ريجان. لقد سعى ريجان للرئاسة أول ما سعى عام 1976 حين حاول الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري له متحدياً بذلك الرئيس الأسبق فورد، ولكن فورد تمكن من الانتصار ومن ثم الحصول على ترشيح الحزب الجهوري له. وفي عام 1980 أعاد ريجان المحاولة وحصل على ترشيح الحزب له وانتصر على منافسه الرئيس الأسبق جيمي كارتر، ثم أعاد الكرّة عام 1984 وحصل على منصب الرئيس لولاية ثانية.
والغريب في الأمر هو أنه أثناء حياة ريجان الرئاسية، وبرغم فوزه بها مرتين متتاليتين، إلا أن نظرة المواطن الأميركي لأدائه لم تكن مرتفعة جداً مقارنة بسابقيه من الرؤساء ذوي الأداء المرتفع. ففي استطلاع أجرته مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي جاء ريجان في المرتبة السادسة من ضمن عشرة رؤساء أجري الاستطلاع حولهم. ولكن في استطلاع آخر أجرته المؤسسة عام 2002 على عينة مشابهة أحرز ريجان 73 في المئة من عدد الأصوات متخطياً بذلك الجميع بمن فيهم صاحب أكبر شعبية رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة جون كينيدي.
وبعد وفاة ريجان بساعات أخذت وسائل الإعلام الأميركية في سؤال المشاهدين والمستمعين حول رأيهم في أداء الرئيس الراحل وشخصيته، فكانت الإجابات تأتي وكأن ريغان كان مثالياً في كل شيء، وهذا بدوره أثار الاستعجاب. فلو كان الرئيس الراحل حياً يرزق لما حصل على قدر يسير من الإطراء الذي حصل عليه بعد وفاته. وإذا ما كان يوجد تفسير لهذه الظاهرة الجديدة في إضفاء الإطراء الشديد على سياسي محترف سابق فإن السبب في ذلك في تقديرنا يعود إلى أنه كلما أمعن الأميركيون التفكير في واقعهم المعاش وقارنوه بفترتي رئاسة ريجان بين 1980 و1988 كلما اكتشفوا وأيقنوا بأن عهد ريجان كان عهداً ذهبياً على صعيدي الاقتصاد والسياسة الخارجية.
في بداية تولي ريجان لمنصب الرئاسة كان يواجه مشكلة صعبة على الصعيد الاقتصادي حيث كان الاقتصاد الأميركي متدهوراً إلى حد كبير. وفي مراحل لاحقة واجهته فضيحة سياسية بما عرف بإيران- كونترا، لذلك فإن سمعته كرئيس تأثرت كثيراً بسبب القضيتين المشار إليهما. لاحقاً استطاع أن يحقق نتائج مذهلة على صعيدي الاقتصاد والسياسة الخارجية. فبالنسبة للسياسة الخارجية أدخل بلاده في مشروع ضخم في سياق سباق التسلح مع الاتحاد السوفييتي في ما عرف بحرب النجوم. ذلك المشروع أحرج الاتحاد السوفييتي وجعله غير قادر على مجاراة الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى نهاية الحرب الباردة. إن الشعب الأميركي ينظر الآن إلى الرئيس ريجان على أنه هو الذي استطاع إقناع ميخائيل خورباتشوف بفتح صفحة جديدة من علاقات بلاده مع الولايات المتحدة.
وبمراقبة المظاهر الاحتفالية الضخمة التي صاحبت تأبين ريغان ودفنه يلاحظ أن احتراماً وتقديراً كبيراً أظهره الإنسان الأميركي العادي تجاه رئيس سابق يعتقد بشكل كبير أنه ساهم كثيراً في خلق أجواء مناسبة لتحقيق الوئام بين الشرق والغرب وإنهاء الحرب الباردة وتحقيق السلام العالمي. إن العواطف الجياشة ، وحتى الدموع التي ذرفها الأميركيون وهم يلقون النظرة الأخيرة على جثمان رئيسهم الراحل، لدليل على أن الرجل قد تحول إلى أسطورة بعد وفاته ورمز أميركي يعتد به لتحقيق السلام. فالإنسان الأميركي بشكل عام معروف عنه الابتعاد عن العواطف في مثل هذه الحالات والاكتفاء بإبداء الاحترام ليس إلا.
إن النقطة المهمة في موقف الشعب الأميركي تجاه ريجان بعد وفاته تدل أيضاً على أن هذا الشعب يكافئ أصحاب الإنجازات ولا ينسى ما يقدمونه له، وعند اللحظة المناسبة يبدي الأميركيون لهم شكرهم وامتنانهم. ويقابل ذلك أن شعوباً أخرى في هذا العالم تفعل العكس مهما قدم قادتها لأوطانهم. أقول ذلك بسبب موقف حدث هنا في واشنطن لرئيس عربي سابق يرقد في أحد مستشفيات المدينة. هذا الرئيس كان ذا صولات وجولات في بلاده، ولكن جارت عليه الأيام لكي يجد نفسه يرقد في مستشفى من الدرجة الثالثة على حسابه الخاص في غرفة متواضعة يشغلها مع اثنين من المرضى الآخرين. ويبدو أن الحديث دار بين الرئيس السابق وأحد المرضى أخبر فيه الرئيس السابق "زميله" المريض بأنه كان رئيساً لدولة في يوم ما. فما كان من المريض الآخر إلا أن فر هارباً من الغرفة إلى إدارة المستشفى مطالباً إياها بنقله إلى غرفة أخرى لأنها وضعته في غرفة يشغلها "مجنون" يقول إنه كان رئيساً لدولة. قد تكون القصة مضحكة، ولكن شر البلية ما يضحك. رحم الله الإنسان العربي برحمته.