باستحقاق فاز أمين معلوف بأرفع جائزة إسبانية في الأدب "جائزة الأمير استورياس" الإسبانية العريقة، واحتفت به كل الأوساط الثقافية الأوروبية. فقد كتب "أمين معلوف" بقلم فذ امتزج حبره بالتاريخ والمعلومات والتشويق والفكر المتجذر في فهم الآخر، واستيعاب ما يريد، وربما كان شكل كتاباته إعلاناً عن تجديد جذري في الرواية العربية، وقد كان سباقاً في اجتراح فكر متعولم بشكله الإيجابي المعروف والمتميز. ولعل بارقة الانطلاق كانت من فرنسا، حيث اختار "معلوف" منفاه هناك وانهمك في استيعاب ضوء الفكر المتقد على الدوام. فلو ظل "معلوف" أسير وطنه العربي لما وصل إلى كل هذا التألق وهذه الإنجازات، فوجود مكتبات من هذا النوع المتعمق جعلت منه الكاتب المتمكن من أدواته القادر على استيعاب حجم الفرصة التي تحيطه كونه صار من سكان فرنسا! فأجواء كالتي يعيشها المفكر والأديب في معظم بلدان العالم العربي، أجواء محبطة، محطمة لأصحاب الحرية المبدعة، ومسكونة بهواجس ورتابة الخوف من الرقيب المزعوم الذي ظل يحاصر الناس طوال عقود. فرغم مرور كل هذا الزمن، لم يحرك الإبداع ساكناً لم يتجاوز خطوطه الحمراء إلا في محاولات جميلة، لكنها ظلت محاصرة بالخوف والقمع والتهديد. وحتى مع مزاعم التحديث والعصرنة في كثير من المدن العربية الكبرى واهتماماً ببناء بنية تحتية عالمية المستوى، والوصول إلى مصاف العالم المتقدم في الاقتصاد، لكن ظل الإنسان-في كثير من الأحيان- منسياً ومتوجساً بإحباط ظل يتراكم في خبرات إنسانية، عمدت إلى تهميشه قسراً حتى ولو كان اسماً لامعاً. بالتأكيد هناك من أنجبتهم الأمة العربية، وأتيحت لهم فرصة الاحتماء بإبداع مختلف له تاريخه المتميز، ولكن بمعيار النسبة والتناسب بين أسماء وأصحاب الإبداع والتميز وعدد السكان، هناك هوة ضخمة تنبئ عن نقص حاد في أرقام المفكرين المبدعين. الحظ حالف "معلوف" ومنحه فرصة التحليق في سماوات الحرية، فجعل منه كاتباً مختلفاً بكل المقاييس، وهي الفرصة ذاتها، التي حرم منها المبدع العربي الرابض عند تخوم الهزيمة والانكفاء. فالادعاء بأن التعليم في العالم العربي، يمر بحالة تطوير مستمر وأن التعليم العالي مسيج بعقول ضخمة واسكانات بلا منافس، كلها أقاويل بعيدة كل البعد عن بناء الإنسان الحقيقي. فالطالب الجامعي العربي لا يحتاج فقط إلى صروح معمارية ومختبرات جديدة، لكن ما يحتاجه أيضاً هو أستاذ يستطيع أن يناوله العلم بحرية مطلقة، وباحترام مخلص للإنسان، وبذهنية تتوقد فيها المعارف دون خوف من أسئلة وتدخل السلطة حتى في تجاويف العلم. وبالنسبة للعالم العربي، ثمة تساؤل مؤداه: أي أمة هذه التي لا زالت تعاني من أرقام مخزية في الأمية وفي المرض وعدد المسجونين بسبب أفكارهم، وأي مجتمعات تتوقع إبداعها وهي محكومة بالنار والحديد؟ في العالم العربي، وفي كثير من بلدان العالم النامي، ما زالت المجتمعات في حاجة إلى أن تفهم ماذا تعني كلمة "إنسان"، وإلى أي مدى تعكس الثقافة والفكر القيمة الحقيقية للأمم ودورها في التاريخ والمستقبل في آن.