منذ أسبوعين ونيّف يعيش شطر كبير من التلاميذ العرب -قسم الشهادة الثانوية- ما يقترب من المأساة، فهم في هذه الفترة يعانون من موسم امتحانات الشهادة الثانوية إذ يرزحون تحت قبضة نمط من الامتحانات أقل ما يقال فيها إنها لا تخرّج أكثر من عقول تتحول إلى أعباء على أصحابها في الحقل الثقافي والمهني العملي والمجتمعي العمومي، إن هُوةً عميقة تفصل بين هذه الحقول الثلاثة وبين الواقع المعيش، تنعكس بدورها على حياة المعنيين. ولنبدأ بأول المشوار التعليمي العربي، في عمومه وإجماله، من أجل ذلك، سنأخذ الحقول الثلاثة المذكورة من حيث هي معايير تؤسس -مع غيرها- للتلميذ والطالب والفاعل ضمن مجتمع ما، ولنحاول وضع يدنا على ما ينبغي أن ينجزه هؤلاء في مساراتهم المجتمعية الحياتية، في ضوء الضخ التعليمي "التربوي"، الذي يُقدَّم إليهم. ثمة ثلاثة أهداف كبرى تحولت في عصرنا إلى أهداف استراتيجية لمسيرة الإنسان، الشاب خصوصاً، تلك هي: 1- تحويل العلم إلى قوة إنتاج مباشرة تُثري حياة الناس في النوع كما في الكيف، إضافة إلى تطوير مستديم للمجتمع في ضوء الحداثة والنهضة والتنوير. 2- تحويل الثقافة إلى أسلوب عيش ينمِّي مبادئ الحداثة والكرامة والنزعة الإنسانية وغيرها. 3- تنمية وتعميق منظومات القيم، التي تنتج الإنسان بل المجتمع المبدع. ولنا أن نعلم -ونحن نعلم- أن نظام التربية والتعليم، في حلقاته الثلاث، تُناط به مهمات عظمى لتحقيق الأهداف التي يصوغها ويطورها ذلك النظام. من هنا، كان ضرورياً أن يحقق هذا الأخير وحدة العام خاصاً والخاص عاماً، بحيث تُحترم بعمق خصوصيات المجتمع المعني، العربي هنا، من طرف، ويحافظ على هذا المجتمع في حال تدفقه في التغير والتقدم والانفتاح من طرف آخر. ما الذي يحدث في نظام التربية والتعليم العربي؟ في المقام الأول، يهيمن في تجليات هذا النظام (المدرسة خصوصاً) نمط من الإملاء في المعلومات والمعطيات لا يجوز الخروج عن نسقها، ذلك هو رصف المعلومات على نحو آلي، ومحاولة استظهارها عن ظهر قلب، دونما لجوء لعمليات التحليل والتركيب والتدقيق والتأويل وإعادة البناء...إلخ. وهذا يعني أن من تخونه ذاكرته المثقلة، يفقد شرعية الخروج من المأزق. وعلينا أن نضيف وجوهاً أخرى لـ"العملية التعليمية التربوية" المزعومة، وأقول مزعومة لأنها تفتقد عناصر التربية وإعادة التربية بالمعنى الواعي والبناء. من تلك الوجوه يبرز الاستبداد وغياب الحوار في أثناء القيام بها. (وقد علمت أنه في مدرسة ابتدائية عربية يلجأ المعلم إلى تخويف التلاميذ الأطفال واليافعين بتحويل مشكلاتهم المدرسية إلى أجهزة أمن ملحقة بالمدرسة). وفي هذا وذاك وذلك، على أولئك الذين "ينجحون" من صف إلى آخر، أن يغضٌّوا النظر عن ثمار دراستهم في العمل الاجتماعي، بما جعل البعض يتركون المدرسة، لأنهم -كما يقولون- لا يحصدون منها أكثر من البطالة إنها صورة سوداء لمعظم أجهزة التعليم العربية.