تحول استراتيجي في تركيا... وتل أبيب تعاني "تضخم الأنا" ------ إسرائيل توافق على تشكيل لجنة تحقيق في ضرب "أسطول الحرية"، وتركيا تميل نحو الشرق، والترحيب بإقرار عقوبات جديدة على إيران، و"تضخم الأنا" لدى تل أبيب.. قضايا نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الإسرائيلية. ------- "لجنة التحقيق الإسرائيلية" حملت صحيفة "هآرتس" بشدة في افتتاحياتها ليوم أمس على اللجنة التي سمحت الحكومة الإسرائيلية بتشكيلها للبحث في ملابسات التدخل العنيف ضد أسطول الحرية خلال الشهر الماضي، وتقديم المعطيات الوافية حوله للرأي العام الإسرائيلي والمجتمع الدولي، لكن اللجنة التي شكلتها الحكومة جاءت ناقصة بكل المقاييس سواء تعلق الأمر بأعضائها الموكل إليهم القيام بالتحقيق، أو الصلاحيات المخولة لها، فبدلًا من أن تُمنح اللجنة السلطة اللازمة لفحص الحقائق والمعطيات ومحاسبة الذين أوصلوا الأمور إلى ما وصلت إليه على متن السفينة التركية وما ترتب على ذلك من أضرار تكبدتها إسرائيل على الساحة الدولية، يبدو أن الغرض من اللجنة، هو تهدئة الغضب الدولي ومواجهة الضغط الخارجي بأقل التكاليف، فهي أولاً لم تمنح صلاحيات حقيقية لإجراء تحقيق شفاف ومساءلة أصحاب القرار. وثانياً توحي تشكيلتها بأن اللجنة إنما تندرج في إطار حملة العلاقات العامة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، فإي لجنة لا تستمد صلاحياتها من الدولة مباشرة وتحظى باستقلالية وحماية قانونية، تقول الصحيفة، لن تستطيع جلب المسؤولين إلى العدالة ومحاسبتهم على فشل العملية العسكرية، ذلك أن أعضاء اللجنة إما أنهم مسؤولون متقاعدون، أو كانوا بعيدين عن الأحداث لعقود مما يجعل من الصعب عليهم التوصل إلى الخلاصات المطلوبة. وعلى سبيل المثال، تشير الصحيفة إلى تصريح رئيس اللجنة "جاكوب توركل" الذي قال إنه على بعض الأشخاص ألا يظهر تورطهم، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول نزاهة اللجنة وأهدافها الحقيقية. تحول استراتيجي تحت عنوان "التحول الاستراتيجي التركي وأخطاء إسرائيل التكتيكية"، نشرت "هآرتس" يوم الجمعة الماضي تحليلاً لـ"أوفرا بينجيو" الباحثة الإسرائيلية بمركز "موشي ديان للدارسات الشرق الأوسطية والأفريقية، العلاقة الإسرائيلية - التركية في ضوء الأحداث الأخيرة، والتي تميزت بالكثير من التوتر، فرغم التغير الذي تلاحظه الكاتبة ومعها العديد من المراقبين في موقف الحكومة التركية وميلها أكثر فأكثر نحو العالمين العربي والإسلامي، تؤكد الكاتبة أن إسرائيل من جهتها ساعدت في الدفع بهذا التوجه التركي من خلال مجموعة من الهفوات التكتيكية، فالكاتبة ترى أن التغير الاستراتيجي في الموقف التركي بدأ قبل سنوات عندما شرعت أنقرة في الاقتراب من إيران و"حماس"، وهو ما لا يمكن إرجاعه فقط لاعتبارات إنسانية والتعاطف مع الفلسطينيين، أو احتواء إيران من خلال التعاطي الإيجابي معها، وفيما كانت العلاقات الإسرائيلية التركية تحركها في السابق دوافع الواقعية السياسية التي أملت على الحكومة التركية التحالف مع إسرائيل يبدو هذه المرة أن رجب طيب أردوجان والقياديين في حزب "العدالة والتنمية" يسعيان إلى حشد الرأي العام الداخلي وراء أجندتهم السياسية، وبحسب الباحثة دائماً تبرز العديد من الدوافع التي تحرك الموقف التركي الأخير أهمها التغيرات الداخلية والخارجية التي تشهدها تركيا ورغبة الحزب في تحويل الدولة للعب دور المنافس لإيران على قيادة الموقف المناهض لإسرائيل في المنطقة، وذلك بعدما نجح الحزب الحاكم في تحجيم دور الجيش الذي كان أحد المدافعين عن العلاقة التركية - الإسرائيلية، هذا بالإضافة طبعاً إلى الرصيد الشعبي الكبير، الذي يجنيه رئيس الحكومة التركية، في الشارع العربي بعدما تحول إلى مناصر للقضية الفلسطينية، لكن وفيما يتعلق بالأخطاء الإسرائيلية التي سرعت هذا التوجه التركي تشير الكاتبة إلى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2008 دون إخبارها مسبقاً، وهو ما جرح كبرياء تركيا في العمق، ثم جاءت الإهانة التي تعرض لها السفير التركي لدى إسرائيل والتصريحات التي نادت باستبعاد تركيا من دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل، وأخيراً التدخل العنيف ضد سفينة مرمرة التركية وقتل تسعة مواطنين أتراك ليتوسع الخلاف ويتحول إلى تنازع شعبي مباشر. "إيران: الخطوة القادمة" رحبت "جيروزاليم بوست" في افتتاحيتها ليوم الاثنين الماضي بالعقوبات التي أقرها مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي ضد إيران لرفض هذه الأخيرة وقف التخصيب وتعليق برنامجها النووي، وهي الخطوة التي تعتبرها الصحيفة ضرورية للضغط على إيران وحملها على الاستجابة للمطالب الدولية، ورغم الطبيعة المخففة للعقوبات بسبب الضغوط الصينية والروسية في مجلس الأمن، تدعو الصحيفة إلى عدم فقدان الأمل فيما يمكن أن تحدثه العقوبات الأخيرة، معتبرة أنها فرصة كي تنضم الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا وألمانيا اللتين تعتبران أكبر حليفين لإيران في أوروبا إلى العقوبات وتلزم شركاتها الخاصة بقطع علاقتها التجارية مع طهران، وفي هذا الإطار تشير الصحيفة إلى الخطوات التي اتخذها البلدان فعلاً مثل إعلان وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتيني، في شهر مارس الماضي بوقف بلاده للاستثمارات الجديدة في النفط والغاز بإيران، كما تحد من الضمانات المقدمة إلى المصدرين الذين يتعاملون مع طهران، أما في ألمانيا فقد أعلنت شركة "سيمنز" الشهيرة وبضغط من الحكومة عدم تلبيتها للطلبات الجديدة القادمة من إيران، علماً أن حجم مبيعاتها السنوية لإيران يصل إلى 500 مليون يورو، لكن بالإضافة إلى هذه الخطوات تدعو الصحيفة إلى تحرك شعبي يبدأ من إسرائيل بإطلاق ما أسمته بـ"المقاطعة اليهودية" للشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران. "حان وقت التواضع" كتب المعلق والصحفي الإسرائيلي "إيتان هابير" مقالاً يوم الأحد الماضي بصحيفة "يديعوت أحرنوت" يدعو فيه إسرائيل إلى التواضع قليلًا والتخلي عن "الأنا المتضخمة" لديها، فلسنوات عديدة دأب الإسرائيليون على اعتباره أنفسهم الأذكى والأقوى في العالم والتعامل مع الآخرين على أنهم مجرد جماعة من المغفلين، فبعد حرب 1967 اعتقدت إسرائيل أنها القوة الأولى في الشرق الأوسط ولم تحسب لاستعدادات الجيش المصري الذي استطاع بناء قوته وخوض حرب استنزاف لم تنته بانتصار إسرائيل، أما حرب 1973، فقد أخذت إسرائيل على حين غرة وكادت أن تقلب الموازين، وحتى في المغامرات العسكرية التالية في لبنان فإنها لم تؤدِ إلى نتيجة حاسمة، ومع ذلك يعتقد الإسرائيليون أن الوقت لصالحهم، وأنهم كشعب قديم يعود إلى أكثر من ألفي سنة يستطيع الانتظار أطول، هذا ناهيك عن التذرع دائماً بالهولوكوست والمأساة اليهودية في العالم للقيام بكل شيء تريد إسرائيل، معتقدة أن العالم سيغض الطرف تكفيراً عن ذنبه تجاه اليهود، ومازالت إسرائيل، يقول الكاتب، تتعامل مع العرب وكأنهم أناس غير متحضرين وأنهم سيأتون راكعين، ولعل ذلك يضيف الكاتب ما دفع "موشي ديان" إلى القول بأنه ينتظر المكالمة الهاتفية التي سيعلي فيها العرب الراية البيضاء، هذه المكالمة التي يقول الكتاب قد تنتظر إسرائيل الدهر كله دون أن تأتي في حين تتآكل فيه شرعية إسرائيل على الساحة الدولية بسبب شعورها المتضخم بالأنا. إعداد: زهير الكساب