مازال فهمنا قاصراً حول مسألة الديمقراطية، رغم أن معظم مؤسساتنا وأحزابنا الأيدولوجية تنتهي أسماؤها بـ"الديمقراطية"، إلا أنها تبقى حبراً على ورق، طالما لم نستطع التحول إلى الديمقراطية قولاً وممارسةٍ، وأن نشعر بانتمائنا إلى الوطن، وأن نمارس وطنيتنا بموجب أخلاقيات الانتماء والمواطنة. لقد احتلت الانتخابات الجانب السياسي للديمقراطية. فممارسة الانتخابات بشكل ديمقراطي منحت المواطن إحساساً بمواطنته وبكونه مصدر السلطات. لكن الديمقراطية التي بموجبها تتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية والاستقرار، حلم جميل ينتهي بمجرد انتهاء العملية الانتخابية، وقد لمسنا ذلك من خلال التجارب الانتخابية في أكثر من مكان، مع أنها كانت انتخابات ديمقراطية، حسب المراقبين الدوليين، كما حدث في فلسطين ومصر والعراق.. إلخ. ويبقى التساؤل المشروع: إلى متى نتكلم ولا نفعل إلا القليل؟ إلى متى تظل عملية استيراد المفاهيم مثلها مثل بضاعة ستوك؟ صحيح أن الانتخابات تلبي الجانب المرتبط بعلاقة الفرد بالدولة والعكس أيضاً، خالقة بذلك الجانب السياسي للديمقراطية، حيث يعطى الفرد المنتمي إلى الدولة صفة المواطنة، والذي بموجبه يستطيع المواطن إفراغ كمونه السياسي بممارسة الانتخابات، متطلعاً لعلاقة بين الأفراد عن طريق المواطنة، ويكون طريقة لاتخاذ القرارات بمشاركة جماعية. الديمقراطية تتعلق بكيفية اتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي، أي وفقاً لرغبة الأغلبية، أما الانتخابات السياسية فتتعلق بالدولة، أي أنها تهم مجموع المواطنين. وإذا لم تحقق الديمقراطية سيادة القانون، أي سيادة الشعب، والانتماء للوطن، وإذا لم يكن القانون فوق الجميع، وإذا لم تحقق المساواة والعدالة، فكيف يتم الاستقرار والأمن؟ معادلة الديمقراطية لا تتحقق إلا بثالوث: الحرية والمساواة والعدالة. فلن يكون هناك شيء نستطيع القول عنه إنه نظام ديمقراطي وبامتياز. كيف لنا أن نقول عن نظام يجري الانتخابات إنه ديمقراطي؟ من خلال هذا التساؤل نشير إلى أن الديمقراطية لا تختزل فقط في العملية الانتخابية، كما هو دارج لدينا، فشعوبنا لم تتشرب بعد النفس الديمقراطي، فكيف أكون مواطناً ديمقراطياً ونحن مازلنا في عصر يردد الشعارات التي يخدم بها جهة صناع القرار؟ من متطلبات العملية الانتخابية أن تكون حرة ونزيهة، وأن لا تكون هناك تجاوزات من قبل القائمين على العمليات الانتخابية في فرض سلطاتهم على الانتخابات، وأن يقوموا بالدور المنوط بهم حسب المعايير والمواثيق الدولية، وأن يلتزموا بالإطار الدستوري للنظام الديمقراطي. فمعيار قوة الانتخابات الديمقراطية، هو أن تكون لها مقاصد ووظائف وتترتب عليها مجموعة من النتائج الفعلية في نظام الحكم، لا أن تكون هدفاً في حد ذاتها. ومعيار حرية الانتخابات الديمقراطية يتمثل في إجرائها وفق قاعدة حكم القانون، وأن تتسم بالتنافسية، وأن تحترم الحقوق والحريات الرئيسية للمواطنين. أما معيار نزاهة الانتخابات الديمقراطية، فيعني أن تتم بشكل دوري ومنتظم، وأن تتسم عملية إدارتها والإشراف عليها وإعلان نتائجها بالحياد والعدالة والشفافية. وعندما تتحقق سيادة القانون تتحقق المواطنة على أساس المساواة والكرامة والعدالة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حسان أيو كاتب سوري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"