أعاد الخلاف الحالي بين دول حوض نهر النيل حول إعادة تقسيم مياهه، الحديث عن الأمن المائي القومي العربي، والذي يفترض أن يكون على سلم أولويات الأجندة الإستراتيجية العربية، لأنه بدون الماء لا وجود للتنمية ولا وجود للغذاء، بل لا وجود للحياة نفسها! وحسب مود بارلو، في كتابه "الميثاق الأزرق"، فثمة في العالم أكثر من 215 نهراً رئيسياً و300 حوض مياه جوفية وطبقات مائية صخرية تتشاركها دولتان أو أكثر... مما يسبب توترات دائمة حول ملكية واستخدام المياه بسبب النقص المتزايد في إمداداتها وتوزيعها غير العادل. وقد حذر وزير الدفاع البريطاني السابق "جو ريد" من حروب المياه المقبلة وتوقع أن تصبح أزمة المياه العالمية مسألة أمنية كونية، وهذا أيضاً ما أشار إليه العديد من القادة العسكريين الأميركيين. وتشير معظم الدراسات المتخصصة في مجال المياه، إلى أن العالم العربي يعاني أزمة مائية حادة، وأن هذه الأزمة مرشحة للتفاقم في المستقبل، وذلك لأسباب منها: 1- حقيقة أن معظم منابع أنهار الوطن العربي تقع خارجه. 2- قلة الأمطار وعدم انتظام هطلها في العالم العربي. 3- معدلات الزيادة السكانية المرتفعة في معظم البلاد العربية. 4- استنزاف المياه في مشاريع التنمية والتوسع الحضري. إن وضعية العالم العربي جعلته عرضة للأخطار والمطامع الأجنبية، وبخاصة من جانب الدول التي تسيطر على منابع الأنهار، ومحاولاتها الظاهرة والمستترة للتحكم فيها. وحسب دراسات سياسية متخصصة، فإن دولا مثل إثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو الديمقراطي، والسنغال، وتركيا، وإيران... تتحكم بحوالي 60 في المئة من منابع الموارد المائية للوطن العربي. وعلى سبيل المثال فإن 85 في المئة من الماء الوارد من نهر النيل إلى مصر، منبعه الأساسي الهضبة الإثيوبية، أي أن إثيوبيا لوحدها تسيطر على هذه النسبة. كما وضعت إسرائيل يدها على معظم مياه فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. ولعل دورها المائي الأخطر هو ذلك الذي تقوم به في دول منابع النيل الإفريقية، إذ تستغل حاجتها للتقنية والاستثمار والدعم السياسي، ثم تحركها بالشكل الذي يخدم مصالحها. وفي هذا السياق يذكر المحلل السياسي الأميركي "مايكل كيلو" أن إسرائيل "اتفقت مع إثيوبيا على إقامة مشاريع مشتركة عند منابع نهر النيل، وأن الأجندة الإسرائيلية تقوم على إقناع الوزراء الإثيوبيين باستكمال المشاريع التي كانت قد توقف العمل بها في هذا المجال، وإن هذه المشروعات تتضمن إقامة أربعة سدود على النيل لحجز المياه وتوليد الكهرباء والتحكم فيما يصل من ماء إلى السودان ومصر، بهدف إشغال مصر في قضية تمس أمنها القومي". ولم تخف الصحف الإسرائيلية مثل هذه الحقيقة، حيث اعتبرت أن الأزمة التي انفجرت على خلفية قيام دول المنبع بإبرام اتفاقية لإعادة تقاسم مياه النيل، أتاحت لإسرائيل وسيلة لتقليل وتحجيم العمليات المصرية ضد مصالحها. وفي ذلك ما ينبه إلى ضرورة وضع الماء والأمن الغذائي على رأس أجندة الأمن الإستراتيجي العربي، كأولوية للسياسة الخارجية العربية.