في عام 1901 حدث انفجار هائل صم الآذان في حقل سبيندلتوب القريب من بيمونت بولاية تكساس، وشاهد المواطنون القريبون من الموقع شريطاً من النفط الأسود يرتفع في السماء لبضعة مئات من الأقدام. فقد كانت نتيجة ذلك الانفجار ضخ ما يقارب الـ100 ألف برميل من النفط يومياً في بادئ الأمر، أي ما يزيد عن إنتاج جميع آبار النفط التي عرفها العالم مجتمعة في ذلك الوقت. وقد ساهم حقل سبيندلتوب في رفع إنتاجية الولايات المتحدة من النفط إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه من قبل في ليلة واحدة فحسب. وفي 20 أبريل2010 سجل حدث تاريخي جديد باندفاع نافورة نفطية جديدة في سماء خليج المكسيك. غير أن هذه النافورة نبعت من أعماق بعيدة تحت مياه الخليج. وحسب توصيف أوباما لهذا الحدث في خطاب له مؤخراُ، فلن يكون في وسع اقتصاد القرن العشرين، المدفوع بما يزيد عن تريليون برميل من النفط الذي يسهل إنتاجه والمتسم بانخفاض أسعاره نسبياً، الاستمرار أكثر مما فعل بعد هاتين الحادثتين. ولن تكون أجيال المستقبل رهينة لموارد الطاقة المتوارثة من القرن الماضي. وأضاف أوباما قائلاً في الخطاب الذي ألقاه الشهر الماضي: غير أن الانتقال إلى اقتصاد الطاقة البديلة النظيفة المتجددة لن يتحقق إلا بدخول الرأسمال الخاص بكامل ثقله إلى حلبة الاستثمار في طاقة المستقبل هذه. كما يتطلب ذلك مغادرة الرأسمال المعني لمقاعد الفرجة وإطلاق طاقته وقدرته على الابتكار كاملة في مجال الطاقة البديلة النظيفة. ولكن السؤال الواجب طرحه هو: أي رأسمال هذا؟ وأي أصحاب أعمال هؤلاء الذين يقصدهم أوباما؟ فبالطبع أنفقت كبرى شركات النفط أموالاً طائلة في حملات الدعاية والتسويق التي صممت خصيصاً لإظهار انشغالها بالتفكير فيما يكون عليه دورها المستقبلي في تزويد المستهلكين بموارد الطاقة النظيفة المتجددة. فإلى جانب الشعار الذي رفعته شركة "بريتش بيتروليوم": لنتجاوز طاقة النفط، هناك شعار شركة شيفرون: "بحثاً عن طرق جديدة لتزويد العالم بالطاقة" ثم هناك شعار شركة شل "لننقل الطاقة إلى الجيل القادم" وأخيراً شعار إيكسون موبيل: التصدي لأصعب تحديات العالم في مجال الطاقة. لكن وبصرف النظر عما تقوله هذه الشركات عن عزمها على تبني حلول لمشاكل توفير الطاقة بحيث تكون أكثر حساسية تجاه البيئة، والسعي لتزويد مستهلكي المستقبل بموارد الطاقة النظيفة المتجددة، تظل الاستراتيجية الرئيسية التي تعمل عليها هذه الشركات المستثمرة، تحقيق أعلى ربحية ممكنة عن طريق حفر المزيد من الآبار والحقول بحثاً عن موارد الطاقة الأحفورية التقليدية. صحيح أن عروض الطاقة التقليدية لا تزال تواصل ارتفاعها، بينما يزداد حاجة كبرى الشركات النفطية المستثمرة إلى إيجاد بدائل تجارية يعول عليها لموارد الطاقة الأحفورية المتراجعة بمرور الوقت وتزايد الحاجة إليها. ولكن طالما تجد هذه الشركات نفسها أمام خيارين ضيقين للغاية: بين النفط –حتى وإن كان أكثر اتساخاً وتلويثاً للبيئة، وأكثر خطورة في عملية استخراجه، وموارد الطاقة البديلة التي يصعب التعويل عليها من الناحية التجارية حتى الآن، فلا شك أن رهان الشركات هذه سوف يكون على "الشيطان" الذي تعرفه مهما كلفها الأمر.وهذا الخيار هو الذي يفسر بحث الشركات النفطية الكبرى المستمر عن وسائل جديدة لاستخراج النفط وغيره من موارد الطاقة التقليدية الأحفورية، على أن تكون هذه الوسائل مستحدثة وغير تقليدية. منها على سبيل المثال استخراج النفط من مصادر أخرى غير الآبار التقليدية، مثل الرمال النفطية، ومكامن الفحم الحجري والنفط. والحقيقة أن ليس لهذه الشركات ما يدفعها إلى القيام بغير ذلك. وتذهب تقديرات الولايات المتحدة الجيولوجية إلى وجود أكثر ما يكفي من الموارد النفطية غير التقليدية المطلوبة لتلبية حاجات مستهلكي المستقبل. أضف إلى ذلك أن نمط استثمارات كبرى الشركات النفطية نفسه ليس خالياً من الهزات والاضطرابات. ففيما لو حدثت تغيرات في أسعار النفط وارتفعت عن المعدل الذي ظلت عليه خلال العقدين الماضيين، المقدر بنحو 35 دولارا للبرميل، ليصل إلى ما يتراوح بين 70-100 دولار للبرميل، وهو ما يرجحه بعض الخبراء، فإن استخراج النفط سوف يواصل كونه عملاً مربحا، حتى وإن استمر ارتفاع تكلفة استخراجه. هذا ما أكده "دون بول" مسؤول التكنولوجيا الرئيسي سابقاً بشركة شيفرون بقوله قبل بضع سنوات: لا يعتقد معظم العاملين في هذه الصناعة بقرب العالم من تجاوز إنتاج واستخراج ومعالجة النفط وغيره من موارد الطاقة الأحفورية. إلى ذلك أشار البروفيسور "بيتر أوديل" الأستاذ بجامعة إيرازموس والفائز بجائزة "أوبك" وعضو الاتحاد الدولي لاقتصاديات النفط، إلى أن إنتاج النفط في عام 2100 سوف يكون أعلى مما كان عليه في عام 2000، غير أن نسبة من ذلك الإنتاج تصل إلى 90 في المئة، سوف تكون من مصادرها غير التقليدية المعروفة لإنتاجه. يجدر بالذكر أن شركات النفط الكبرى نفسها لا تستحي من الترويج والإعلان عن تقديرات كهذه. فعلى سبيل المثال تقدر شركة إيكسون موبيل أن منتجات الطاقة الأحفورية ستسهم بنسبة 80 في المئة الحالية من مجموع إمداد الطاقة العالمية المستهلكة في عام 2030، أي بنفس النسبة التي تسهم بها هذه الموارد اليوم. نستنتج من كل ذلك أن شركات النفط الكبرى ليست ملائمة أصلاً للقيام بالمشاريع والأفكار المعنية بتطوير موارد الطاقة المتجددة غير الأحفورية.ذلك أن الثقافة السائدة في هذه الشركات، ومعايير الأهلية الرئيسية التي يعتمد عليها نجاحها، تفضل عادة الاستثمارات الضخمة المركزية. وقد راكمت هذه التجمعات الاستثمارية الكبيرة مهارات هائلة في بناء هياكل إدارية عملاقة قادرة على استثمار رؤوس أموال طائلة في استخراج النفط وإنتاجه ومعالجته وتسويقه.