من واشنطن إلى بكين فباريس، يواصل القادة طرح الساسة وقادة الرأي السؤال الأكثر أهمية في عصرنا الحالي: هل يرجح تعاون واشنطن وبكين، أم يتوقع تحولهما إلى خصمين لدودين؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال لا يزال الجزء الأعظم على المحك.. بما فيه بالطبع: القدرة على التصدي للأزمات المالية العالمية، وديون أميركا الضخمة، وأمن الطاقة العالمية، والتصدي لظاهرة التغير المناخي، والانتشار النووي، والمشكلات التي تطرحها الدول المارقة مثل كوريا الشمالية على الأمن والسلم الدوليين. وتتوقف طبيعة العلاقة المتوقعة بين الدولتين إلى حد كبير على الكيفية التي تقرأ كل من واشنطن وبكين بها وتديران الصعود الصيني باعتباره واقعاً، مع الأخذ في الاعتبار بمصالحهما النفطية. ولا حاجة للتذكير بأن الصين تمكنت من التحول إلى قوة اقتصادية دولية يحسب لها ألف حساب. ويتنبأ دليل العالم الذي تصدره وكالة "سي آي إيه" بأن يتجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي بحلول منتصف القرن الحالي، على رغم بقاء مستوى دخل الفرد الصيني في مرتبة أدنى من دخل الفرد الأميركي. ومن الطبيعي أن نتوقع أن يصحب استمرار نمو الصين دخولها حلبة التنافس مع الولايات المتحدة في عدة مجالات ومستويات، بما في ذلك السيطرة الاستراتيجية على موارد النفط في منطقة الشرق الأوسط. وكان "دينج زياوبنج" -القائد الصيني الشهير- قد أطلق سياسة الأبواب الصينية المفتوحة في عام 1978 الهادفة إلى فتح البلاد على بقية دول العالم ومحاولة اللحاق بالاقتصادات الغربية. غير أن النجاح الاقتصادي الذي حققته الصين خلال العقود الأخيرة زاد من طلبها على النفط بشكل كبير. وفيما لو استمر معدل النمو الحالي، فستعتمد الصين على النفط الخليجي لسد ثلث حاجتها أو ما يزيد عن ذلك من الطاقة بحلول عام 2025. وإدراكاً منها لهذه الحقيقة، رأت الصين ضرورة إجراء تغيير في نهج تعاملها مع المنطقة. فخلال الخمس والعشرين سنة الماضية عمدت الصين إلى توسيع علاقاتها السياسية ونشاطها الاقتصادي التجاري مع الشرق أوسط، إضافة إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة للعديد من دول المنطقة، لاسيما السعودية وإيران. ولكن ما يثير ضيق واشنطن هو أن مصالح بكين ذات الصلة بالنفط والغاز الطبيعي المشتركة مع إيران هي التي تجعلها أكثر تردداً من اتخاذ موقف ضد طهران بشأن مساعي لجم برنامجها النووية. كما لم تكن للصين في الماضي أية قدرات عسكرية قريبة من منطقة الخليج العربي ناهيك عن أي وجود عسكري لها فيه. ولكنها تسعى اليوم إلى توسيع وجودها العسكري البحري بعيداً جداً عن حدودها. ولن يقتصر هذا الوجود على خطوط الملاحة في المحيط الهادي فحسب، بل يتوقع له أن يصل حتى مياه العديد من الدول الشرق أوسطية. وتسمي الصين هذا النهج الجديد باستراتيجية "دفاع البحار البعيدة". وقد واصلت الصين بناء قدراتها البحرية هذه خدمة لاستراتيجيتها الجديدة، أي بناء سفن حربية ترمز إلى قوة الصين الوطنية وجبروتها. وخلال السنوات القريبة الماضية بنت الصين ميناء "جادوار" في باكستان، وهو ميناء تجاري إلى حد كبير، غير أنه لا يستبعد أن يصبح موطئ قدم لها قريباً من منطقة الخليج العربي. وفي أواخر شهر مارس الماضي رست سفينتان حربيتان صينيتان في مياه الخليج العربي، وهي الزيارة الأولى من نوعها لسفينة حربية صينية إلى مياه الشرق الأوسط. وليس في مقدور الصين منافسة الولايات المتحدة من ناحية الوجود العسكري الكثيف في المنطقة في أي وقت خلال المستقبل القريب المنظور. ولكن ذلك لا يمنع القول إنها أصبحت لاعباً دوليّاً جديداً في الشرق الأوسط. وبما أن واشنطن قد أدمنت انفرادها بهذا الدور والوجود في الشرق الأوسط، فإن من شأن أي إشارة استفزاز أو عدوان من جانب الصين أن يشعل شرارة مواجهة بينهما في المنطقة، حسبما ما يرى بعض المسؤولين والمحللين الأميركيين والصينيين على حد سواء. بيد أن المهدد الحقيقي ليست له صلة بمواجهة عسكرية محتملة، بقدر ما يكمن في صعود الصين في حد ذاته وتزايد تحركاتها في المنطقة. ومن شأن ذلك أن يتسبب في توترات تكون لها تأثيرها السلبي على العلاقات الدولية بين واشنطن وبكين. وكلما ازداد اعتماد الصين على النفط الشرق أوسطي، كلما ازداد حرصها على ألا تنفرد واشنطن وحدها بالسيطرة على تلك الثروة النفطية الهائلة. وفيما لو أرادت الدولتان معاً الحفاظ على علاقات تعاون ودي سلمي فيما بينهما، فإن عليهما أن تحسنا إدارة الصعود الذي تحققه الصين على المسرح الدولي. ولعل البداية المناسبة لذلك هي مجال الطاقة والنفط بالذات. فبينما يزداد قلق واشنطن إزاء دوافع بكين، يلاحظ أن الأخيرة لا تثق في حماية أميركا لمصالح الصين النفطية. وبالنسبة لبكين فإن أسوأ سيناريو نزاع محتمل مع واشنطن، يرجح أن تكون له صلة بمساعي تايوان للانفصال. وبسبب المسؤولية التي تستشعرها واشنطن إزاء توفير الحماية الدفاعية اللازمة لجزيرة تايوان الصغيرة، فإن من الطبيعي أن تضع بكين اعتباراً لاحتمال استخدام واشنطن لسلاح النفط ضدها في هذا النزاع. فكيف يمكن إذن إدارة العلاقات بين القوتين الكبريين الدوليتين المتنافستين؟ الإجابة: أن واشنطن وبكين في حاجة لتحسين إجراءات بناء الثقة فيما بينهما. ويمكنهما أن تبدآ بالسعي إلى بناء مشاريع مشتركة في مجال الطاقة، مثلما تفعلان الآن في المشروع المشترك لصنع السيارات الكهربائية. ولابد لهما من السعي إلى هذه المشاريع على أعلى مستوى ممكن من التمثيل الحكومي من جانبهما. ويتعين على واشنطن كذلك، إشراك بكين بمستوى معقول في إطار توفير الأمن في السياق الخليجي، ولكن بشرط الحذر من تمثيلها في هذا الإطار بمستوى ربما يفتح شهيتها أكثر مما يجب، أو يثير مطامعها. والمقصود بمشاركة الصين في هذا الإطار الأمني الخليجي، تعزيز ثقتها في واشنطن واطمئنانها على حرص الأخيرة على أمن الطاقة الصيني. وعليه فليس بالضرورة لهاتين القوتين أن تكونا خصمين لدودين يتنافسان فيما بينهما على ثروة الذهب الأسود. غير أن عدواناً كهذا يظل محتملاً فيما لو لم تحرصا على بناء ما يكفي من الثقة في بعضهما بعضاً. ستيف يتيف أستاذ العلوم السياسية بجامعة "أولد دومينيون" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"