صورتان وروايتان، صورة شاب وسيم في مقتبل العمر، وأخرى جثة مشوهة الوجه: فك مهشم، أسنان مبعثرة في ما كان يوماً فماً. رواية رسمية تقول إن عناصر من الشرطة المصرية اقتحمت مقهى إنترنت لتفتيش عادي للرواد، وإن الشاب خالد سعيد مات بـ"اسفيسكيا الخنق" بعد أن ابتلع لفافة مخدر "البانجو"! رواية يدعمها الطبيب الشرعي. ورواية أخرى لذات الحدث تقول إن عناصر شرطة مدنيين اقتادوا الشاب خارج مقهى الإنترنت بعد أن رفض الخضوع للتفتيش، ثم تعرض للضرب المبرح في الشارع مؤديّاً في النهاية لقتله على يد عناصر الشرطة. صور قتيل الإسكندرية أصبحت رمزاً لعنف الشرطة والتعسف في استخدام الصلاحيات الممنوحة في ظل قانون الطوارئ. تمارس الدول عنفاً مشروعاً بمعنى الضغط والإكراه الممارس من سلطة حاكمة على مجموعة من الأفراد الخاضعين لسلطانها في حيز جغرافي، وهو إكراه مشروع، لكن قد تتمادى هذه السلطة ورموزها لتمارس عنفاً غير مشروع يتجاوز القانون ويدخل في نطاق استغلال السلطة والنفوذ. وتفرض بعض الدول قانون الطوارئ، وهو التشريع الذي يجيز إعلان حالة الطوارئ في الدولة وينظمها إذا قامت ظروف استثنائية تبرر ذلك من قبيل الحروب والكوارث العامة والأخطار الاستثنائية التي لا تستطيع الدولة مواجهتها بمجرد الاستناد إلى القوانين العادية. وفي الحالة المصرية فإن قانون الطوارئ هو القانون رقم 162 لسنة 1958 وبدأ العمل به منذ هزيمة الخامس من يونيو عام 1967، من قبل الرئيس الأسبق عبدالناصر، واستمر خلفه الرئيس السادات يمارس حكمه انطلاقاً من هذا القانون، ولم يقرر رفعه إلا في مايو 1980 لكن لفترة لم تتعدَّ الـ18 شهراً فقط، إذ سرعان ما أعاد فرضه الرئيس مبارك بعد اغتيال السادات، ليستمر العمل بهذا التشريع حتى الآن. وقد وافق البرلمان المصري في 11 مايو الماضي على قرار مبارك بتمديد حالة الطوارئ في مصر لمدة عامين آخرين حتى 31 مايو 2012، حيث أيد التمديد بغالبية (308 أعضاء من إجمالي عدد أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 454 عضواً) على أن يقتصر العمل به على مكافحة الإرهاب والمخدرات. ولسنوات تطالب المعارضة المصرية ومنظمات حقوق الإنسان في مصر ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بوقف العمل بقانون الطوارئ الذي يمنح أجهزة الأمن سلطات واسعة تمكنها من اعتقال الأفراد وتفتيشهم دون إذن قضائي مسبق، بالإضافة إلى سلطة الاعتقال لفترات طويلة دون توجيه اتهامات أو محاكمة. أي صلاحيات واسعة. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن عدد المعتقلين يبلغ ألوفاً، بينما تشدد المعارضة على أن الحكومة المصرية تستخدم قانون الطوارئ، لتقييد نشاطها السياسي. لقد اجتاحت صور القتيل الشاب خالد محمد سعيد الشارع المصري الغاضب أساساً من تمديد العمل بقانون الطوارئ الذي يعطي الشرطة الحق في اعتقال أي شخص لأجل غير مسمى بدون أي تهم ممارسة ليخلق بيئة يزدهر فيها التعذيب والوحشية في استخدام القوة، وقد سارعت المنظمات الحقوقية المصرية لتبني قضية القتيل الشاب فسمي بـ"شهيد الطوارئ" و انتقل الغضب للمدونات وبرامج التواصل الاجتماعي لينشأ عدد من الصفحات على "الفيس بوك" و"التويتر" للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن مقتل الشاب ومناهضة التعذيب ولتوثيق العنف الممارس من أفراد الشرطة المصرية. وانتقلت موجات التنديد والاستنكار للخارج فدعت "منظمة العفو الدولية" السلطات المصرية إلى "تحقيق فوري ومستقل"، كما طالبت بحماية شهود الواقعة ووقف رجلي الشرطة عن العمل لحين انتهاء إجراءات التحقيق إن كانت السلطات جادة في معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة. اختبار جديد لحقوق الإنسان وللعدالة في مصر اختزلته صورتان وحدث في الإسكندرية.