لا تقر "أورزولا شوي" بدور الفطرة في وجود الفوارق بين الجنسين، ففي كتابها "أصل الفروق بين الجنسين" الذي صدر قبل ثلاثة عقود تؤكد من خلال الدراسات والاستبيانات أن التربية، وليس الفطرة، هي التي تخلق تلك الفوارق، ومن ثم يعيد المجتمع إنتاج الأدوار الذكورية والأنثوية. فتقول مثلاً عن الاعتقاد السائد بأن الأم هي الأجدر بدور الأمومة بأنه اعتقاد ليس له أساس حقيقي، وكل المسألة أن هذه الأم حين كانت طفلة تربّت لتكون أماً في المستقبل. نعم هي أم بيولوجياً ولمدة تسعة أشهر فقط، أي أنها أم بحكم طبيعة جسدها خلال تلك المدة، لكنها تبقى أماً طيلة عمرها لأنها تربّت على ذلك. والمثال على ذلك هو الدمى، فعندما تعطى الصغيرة الدمية، فإن الأهل لا يضعون الدمية أمامها ويذهبون في حال سبيلهم، وإنما يلقّنونها ويُكسبونها معرفة هَدهَدة الدمية ونزع ثيابها وغسلها وإطعامها، فإذا قامت البنت بعد ذلك بمعاملة الدمية كأنها وليدتها هي، قال الأهل بتعجب: سبحان الخالق، لقد ظهرت غريزة الأمومة فيها مبكراً! والبنت تُربى لتكون أماً بينما الولد لا يُربى ليكون أباً وإنما ليكون رجلاً فحسب. وعملية التلقين والتربية تدخل في اللغة أيضاً، فالبنت لا تتحدث بصوت عالٍ ولا تقاطع الكبار ولا يجوز أن تتلفظ بكلمات معينة، بينما لا يُضيق على الولد في هذه المسألة. وبالطبع هذا الإصرار على التزام البنات بسلوك معين والأولاد بسلوك آخر يكون أشد لدى الآباء، خصوصاً حين يتعمّد الأب التحدث مع ابنه بصوت خشن، ومع ابنته برقة. هذا ما توصّلت إليه المؤلفة الغربية عن الآباء الغربيين، فما بالكم بالآباء الشرقيين، بل المسلمين، بل العرب، بل الخليجيين؟ وفي سن الروضة يبدأ الأطفال في تمثيل وتقليد وظائف وصلات الكبار، ويكتسب الولد والبنت معايير وقواعد وأحكام الرجال والنساء. ولأن المرأة هي في مرتبة أدنى من الرجل، بحسب الدور الاجتماعي وعلاقات الخضوع والسيطرة والتبعية بين الجنسين، فإن الطفل يتأثر بدوره ويكون نسخة من الكبير الذي يماثله في الجنس. فالولد يؤدي دور الأب والطبيب والطيار، والبنت تؤدي دور الأم والممرضة والمضيفة، فالأول يعيد إنتاج منزلة الذكور المتفوقة، والثانية تعيد إنتاج منزلة الإناث المتدنية. وواضح أن المسألة هنا لا علاقة لها بالفطرة وإنما كل طرف يكتسب العلاقات وأنماط السلوك القائمة فعلاً في عالم الكبار. وتؤيد المؤلفة وجهة نظرها هذه بألعاب تقمّص شخصيات الحيوانات، فإذا تقمّص الولد دور القط والبنت دور الفأر، فإنهما يجدان صعوبة في محاكاة هذه الأدوار، بينما لا يجدان مثل هذه الصعوبة في أداء دور الأب والأم. وتساهم الألعاب الرياضية المخصصة للأطفال في تكريس تذكير الذكر وتأنيث الأنثى، فالبنات يحرمن من بعض الألعاب التي تحتاج إلى بذل جهد مضاعف، بزعم أنها لا تناسب فطرتهن. وبذلك، يُسد عليهن الطريق لتطوير قدراتهن الجسدية. وتبقى هذه الألعاب حكراً على الصبيان، بينما البنات يلعبن لعبة الرقص في حلقات الألعاب الغنائية الخفيفة. وتكون النتيجة أن الرشاقة والرقة الزائدة والمشية المختلفة وضعف البنية والقدرة الجسدية صفات أنثوية موروثة، بينما هي في الحقيقة خلاصة سنوات من التمرين المنظّم. ويحدث مثل هذا "التمرين" في رسومات الكتب الرياضية، فهي غالباً رسومات لرجال يؤدون الألعاب الرياضية المختلفة. وهذا كله يؤدي في خاتمة المطاف إلى ظهور رجال أقوياء جسدياً ونساء ضعاف جسدياً. وهو ما يؤدي بدوره إلى خضوع النساء للأقوياء واستسلامهن حتى للضرب على أيدي الرجال.