بعد الهجمات المؤثرة التي شنها تنظيم "طالبان" على قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، يبدو أن التنظيم استعد لمواجهة الحرب التي يشنها الحلف على معاقله في قندهار والمناطق القريبة منها في جنوب البلاد. وربما أن قيادة "طالبان" قامت بإرسال عدد كبير من المقاتلين إلى المدينة، وزرع الكمائن والمتفجرات على الطرق المؤدية إلى المنطقة. وتأتي تلك الاستعدادات فيما يبدو رداً على العمليات العسكرية التي تشنها قوات "الناتو" وقوات الحكومة الأفغانية بهدف إخراج مقاتلي "طالبان" من قندهار، فهذه المدينة شكلت معقلاً روحياً ومركز قيادة لـ"طالبان" في أفغانستان خلال السنوات التي حكمت فيها البلاد. وتهدف قوات "الناتو" من وراء الهجمات التي تشنها حالياً إلى دعم قدرات الحكومة المحلية للمنطقة لكي تتمكن من منع "طالبان" من السيطرة عليها مرة أخرى بشكل كامل. وتشير التقارير الواردة إلى أن قوات "الناتو"ومعها القوات الحكومية غير قادرة حتى الآن على إحداث تغيير فعلي يهز من موقف "طالبان" في المنطقة، فرغم الاستعداد الجيد الذي قامت به القوات المهاجمة، والدعم الكبير الذي تحظى به، خاصة على ضوء الزيارة المفاجئة التي قام بها أوباما إلى قوات بلاده في أفغانستان، فإن ما تم تحقيقه من تقدم لا يرقى إلى الطموح الذي وضعته دول "الناتو" وفي مقدمتها الولايات المتحدة لنفسها لتحقيقه في البلاد. ونتيجة لذلك يثور الآن نقاش حاد في الولايات المتحدة حول الحرب في أفغانستان، تحتدم فصوله في أروقة الكونجرس الأميركي، وإن كان ذلك بشكل غير مفصح عنه بشكل كامل بعد. ويعيد قادة تنظيم "طالبان"، عدم قدرة "الناتو" والقوات الحكومية على تحقيق انتصار حاسم ضدهم، إلى أن أهل المنطقة يؤيدونهم هم ويقفون إلى صفهم ضد "الغرباء الغازين"، لكن ذلك الطرح يحمل جزءاً من الحقيقة وليس كلها، فرغم أن أهالي المنطقة هم من البشتون الذين ينتمي إليهم جميع قادة "طالبان" وعناصره، فإنه من الصعب قياس عمق التأييد الذي يحظى به هذا التنظيم الأصولي المتشدد في أوساطهم. فالكثيرون منهم يقولون إنهم سئموا من تواجد كل من القوات الأجنبية وعناصر "طالبان" في مناطقهم التي أحالوها إلى ساحة حرب لا تتوقف منذ عام 2001، والعديد منهم يقول إن الهجوم الحالي الذي تشنه قوات "الناتو" لن يحقق شيئاً سوى المزيد من القتل والدمار. والمحير في الأمر هو أنه رغم أن "طالبان" عانت كثيراً منذ عام 2001، فإن ما قامت به من عمليات نوعية في الآونة الأخيرة يعطي دليلاً على أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدر من القوة، فالهجمات الأخيرة على قوات الحلف، وأهداف محددة في العاصمة كابول، تدل على أنها ليست بهجمات عشوائية، بل هجمات منتقاة ومخطط لها بشكل دقيق تهدف إلى توجيه رسائل قوية وواضحة إلى "الناتو" والحكومة الأفغانية. وتشير تصريحات تصدر عن قيادات مهمة في "طالبان" إلى أن الملا محمد عمر يقوم بنفسه بالإشراف المباشر على تلك العمليات، وهو الذي يصدر الأوامر بالتخطيط لها وتنفيذها. فما هو المستقبل الذي ينتظر أفغانستان إذا لم تتحقق أهداف هجمات "الناتو" الحالية؟ وهل ستعود "طالبان" للسيطرة الكاملة على قندهار والمناطق المحيطة بها؟