عقد العرب واليابانيون خلال القرن العشرين خمسة مؤتمرات لتعميق الحوار الثقافي، السياسي، الاقتصادي بين الطرفين. عُقد المؤتمر الأول في مارس 1979 في طوكيو، وكان من بين مباحثه العلاقات الاقتصادية، صورة العرب عند اليابانيين، تدريس العربية في اليابان، أوائل الحجاج اليابانيين إلى مكة، آراء بعض المصلحين اليابانيين حول القضايا العربية...إلخ. وعقد اللقاء الثاني في اليابان كذلك بعد عامين، وتحديداً في سبتمبر 1981، وضم أكثر من أربعين مشاركاً عربياً ويابانياً، تمحورت بحوثهم حول العلاقات اليابانية- العربية، صورة اليابانيين لدى الطلبة الجامعيين العرب، نحو فهم أفضل للثقافة العربية، العلاقات التجارية بين الكويت واليابان، ومدخل لتصور ثقافي متبادل من خلال تجربة ذاتية. وكانت العاصمة الأردنية عمّان، مكان اللقاء الثالث في منتدى الفكر العربي في سبتمبر 1989، وكان من بين المواضيع التي اهتم بها، نماذج مقارنة في الصناعة والإدارة، دور التعليم والعلوم والثقافة في تحديث اليابان والعالم العربي، وآفاق مستقبلية للتعاون العربي- الياباني. وانتقل الحوار مرة ثالثة إلى طوكيو في سبتمبر 1991، وقدم الطرفان تسعة أبحاث في مواضيع مثل النظام العالمي الجديد، القضية الفلسطينية، حرب الخليج، التعاون الاقتصادي والثقافي والإعلامي المشترك. وكان الحوار الخامس مرة ثانية في الأردن عام 1992، وكان من مواضيع البحث حل النزاع في الشرق الأوسط، علاقات الشمال والجنوب، تداخل مصالح أم هيمنة، والحوار بين الثقافات. قارن د. مسعود ضاهر، الباحث في الشؤون اليابانية، بين الجهد الذي يبذله الطرفان لدراسة وفهم الآخر، حيث يقول:"في حين عبّر بعض المثقفين العرب عن إعجابهم الشديد بالنهضة اليابانية، ببعض القصائد الحماسية، مع غياب كامل للبحث العلمي العربي عن اليابان، استمر اليابانيون في نشر عدد من الدراسات العلمية عن الوطن العربي، والتي لا تخلو من التأثر الواضح بالمقولات الغربية المنحازة سلفاً ضد العرب. لذلك بقي الحوار أو التفاعل الثقافي بين العرب واليابان فردياً، غير منتظم، ويفتقد إلى مؤسسات علمية وثقافية لرعايته". وفي حين لم تبذل الدول العربية جهوداً كبيرة للاستفادة ثقافياً من هذه التجربة الناجحة، يضيف د. ضاهر، نرى أن عشرات الباحثين اليابانيين قد تخصصوا في دراسة مختلف جوانب العالم العربي. وفي حين يتزايد عدد اليابانيين في مراكز الأبحاث اليابانية فإن عدد الباحثين العرب الذين أتقنوا اللغة اليابانية ودرسوا نهضتها استناداً إلى وثائقها الأصلية ما زالت قليلاً جداً، كما أن معرفة المثقفين العرب لليابانيين، ليست سوى صدى للدراسات الأميركية والأوروبية عنها. بل اللافت للنظر، يقول الباحث، "إن جميع أبحاث المؤتمرات الخمسة قد نشرت بالإنجليزية واليابانية، في حين لم ينشر سوى واحد منها باللغة العربية". اهتمام اليابانيين بالعالم العربي يعود إلى بداية نهضتهم الحديثة الأولى مع إصلاحات الإمبراطور "ميجي" عام 1868، كما أن وثائق البعثات الثلاث التي أرسلها الإمبراطور "ميجي" لدراسة مسألة المحاكم المختلطة في السلطنة العثمانية وولاياتها، وبشكل خاص في مصر- كما يوضح د. ضاهر- "على انفتاح الفكر السياسي الياباني على تجارب الآخرين واستخراج الدروس والعبر في إيجابياتها وسلبياتها". ويبدو أن بعض البحوث والتقارير اليابانية عن تجربة التحديث في مصر، ما زالت تنتظر من يقوم بإعادة نشرها باللغة اليابانية، ومن ثم ترجمتها إلى العربية والإنجليزية! ومن القضايا التي اهتم بها الباحثون اليابانيون آنذاك، مواضيع مثل السيادة الوطنية، الجيش الوطني، المحاكم المختلطة، تدخُّل الدولة في التوجه الاقتصادي، البعثات الثقافية إلى الخارج، مشكلات التحديث الاجتماعي...إلخ. وقد جاءت البعثة اليابانية الأولى إلى مصر عبر باريس عام 1873 برئاسة "فوكوشي" Fukchi لدراسة "المحاكم المختلطة" في اليونان وتركيا ومصر، وكانت هذه المحاكم في مصر تتشكل من المصريين والأجانب، للنظر في المسائل المدنية والتجارية بين الفريقين. وظهرت في اليابان مخاوف من استخدام الأجانب للمحاكم المختلطة كمدخل للسيطرة على اليابان. وجاءت إلى مصر بعثة ثانية في فبراير 1877 بقيادة البريطاني ديفدسون، مستشار وزير التكنولوجيا والصناعة في اليابان، ثم جاءت بعثة ثالثة برئاسة هاسيجاوا في فبراير1887. كانت اليابان، كما يقول د. أنور عبدالملك، "أبعد البلدان بعداً عن حين انطلقت الدول الغربية لتخضع العالم، وعلاوة على ذلك فهي بلاد جُزُرية، كما أن مضيق كوريا أوسع من أن يُسبح فيه، وقد كان سهلاً نسبياً على اليابان أن تواصل العزلة". هذا عن العامل الجغرافي. ومن جانب ثان، يضيف الباحث المصري المعروف، "فاليابان واحدة من البلدان القلائل في العالم التي لم يغزها أي غاز من الشعوب الأخرى، وهي مثل نادر للبلدان التي لم تقاسِ أبداً من الاستعمار. وقد كانت ثورة "ميجي" الثقافية قد قامت بمبادرة ذاتية محضة من اليابانيين. وما يزال العلماء منقسمين حول كيفية تثمين سياسة العزلة هذه. فمع أنها أنتجت مضاراً في كون اليابان تأخرت نوعاً ما في طريق التصور العالمي، فقد كانت مفيدة لأنها سمحت لثقافة اليابان الفذة أن تزدهر تحت ظل جناح العزلة الواقية". ويشير د. عبدالملك إلى عوامل أخرى ساعدت في نهضة اليابان منها الاستقرار والسلام خلال فترة "التوكوجاوا" 1603-1868، وهي تجربة لم تتيسر لدول أخرى. ومنها "التماثل في شعبها"، وقوة النظام الوراثي الذي تولَّد عنه الاستقرار، ومهد ذلك المجتمع المستقر السبيل لتشجيع التعليم وانتشاره. ومن الظواهر المشتركة في التجربة العربية واليابانية خلال القرن التاسع عشر البعثات التعليمية إلى أوروبا، ويقول الباحث الياباني "تاسوكو هوري" عن تجربة بلاده، إن النتائج الأكاديمية التي حققها طلبة اليابان المبعوثون إلى الخارج آنذاك "قد ساهمت مساهمة كبرى في ترقية حركة تحديث اليابان في عصر الميجي". ومن ملاحظات د. هوري على هذه البعثات التي بدأت عام 1881 تتركز على ألمانيا، أن عدد الطلاب في فرع الحقوق كان أكثر منه في أي دراسة أخرى من دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية. وكانت الحكومة تركز كثيراً على دراسة العلوم الطبيعية دون العلوم الإنسانية. لكن الإحصائيات المتوفرة عن تلك الفترة تبين أن طلاب الآداب "كانوا يشكلون أكبر عدد ثم يأتي بعدهم طلاب القانون والتربية والتجارة. وفي نطاق الآداب كانت اللغات الأجنبية والتاريخ والفلسفة والجيولوجيا والأخلاق تشكل الموضوعات الرئيسية. وفي حقل العلوم الطبيعية كانت الهندسة المدنية، الهندسة الكهربائية، وهندسة المناجم، والهندسة المعمارية والتعدين والصناعات المعدنية، وهندسة المعمار البحري.. تشكل معظم دراسات العلوم الطبيعية". كما أن فئة قليلة من الطلاب، يقول، "آثروا البقاء في البلدان الأجنبية وأمضوا حياتهم هناك". (اليابانيون والعرب، عمّان 1992، ص 107-108). ويشتكي د. مسعود ضاهر من أن الحكومة اليابانية كانت تدعم على الدوام حوارها مع العرب، بينما "نادراً ما كان هذا الحوار يحظى بدعم طرف عربي ثابت ودائم، لدرجة أن المحاور الياباني بات على قناعة تامة من أن التوصيات التي يتم التوصل إليها في كل مؤتمر لا تنفذ وقد يتكرر ورودها في جميع المؤتمرات اللاحقة على غرار ما يحصل في المؤتمرات العربية. وكل من تعرف على جدية اليابانيين في التخطيط والتنفيذ، يدرك أن هذا الأسلوب غير مجد في تعميق التفاعل الثقافي بين العرب واليابانيين". ويضيف في نهاية بحثه أن الإفراط في التفاؤل يحجب المعوقات الجدية التي تمنع التعاون. ويشير إلى صعوبة اللغة اليابانية وندرة الباحثين العرب الذين تلقوا علومهم في اليابان، "يضاف إلى ذلك أن صورة العرب عند الرأي العام الياباني ليست إيجابية"!