حذر وزير الدفاع الأميركي، روبرت جيتس، يوم الأحد الماضي من التسرع في إصدار الأحكام والتقييمات المتعجلة والجزم بأن حرب أفغانستان سائرة بطريقة، أو بأخرى، نحو الفشل، مشيراً إلى أن الخطاب العام حول الحرب اكتسى طابعاً سلبيّاً، بشكل ملفت. والحقيقة أن جيتس محق في تحذيره بالنظر إلى الجدل الذي اكتنف تغيير قيادة الجيش الأميركي في أفغانستان، ولذا حان الوقت لإعادة التركيز مجدداً على سياستنا بدل الاهتمام بالأشخاص، علماً بأن الانتقادات الأخيرة للحرب ليست سوى صورة مجتزأة تنطوي على الخطأ أكثر من الصواب، بحيث يلزم تفنيد هذه الانتقادات وتسليط الضوء عليها وتعدادها أولا: - تأجيل حملة قندهار: من الغريب إثارة هذه الشكوى لأن الحشود العسكرية الأميركية ما زالت مستعدة لشن الحملة حتى قبل موعدها بحيث وصل عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى 95 ألف جندي بعد إضافة 30 ألف جندي خلال هذه العام، كما أن المسؤولين العسكريين لم يعدوا أبداً بحملة عسكرية تقليدية كما جرت العادة، وعلى رغم إعادة النظر في توقيت بعض العمليات التكتيكية في قندهار خلال الصيف الجاري في انتظار وصول التعزيزات العسكرية، لا يوجد أي تغيير جوهري في الخطة، أو انحراف عن مسارها الأصلي المتمثل في خلق "موجة أمنية عالية" على حد قول الجنرال "ماكريستال" الذي ما زالت كلماته صالحة حتى اليوم. - عملية مرجة تحولت إلى فوضى: الحقيقة أن الجيش الأميركي أخطأ هنا عندما بالغ في تقدير حجم توقعاته بشأن عملية شهر فبراير الماضي في مرجة، وهي بلدة متوسطة الحجم تقع في محافظة هلمند حيث مستويات العنف مرتفعة والحكومة الأفغانية أضعف من أن تسيطر على الوضع، ولكن على رغم ذلك يشهد الوضع في هلمند بعد إرسال قوات إضافية إليها منذ عام 2005 بعض التحسن، كما أن التقدم الميداني بات واضحاً في مرجة، وكل ما هنالك أنه يتعين على الجيش بذل جهد أكبر في توثيق هذا التحسن وإبرازه لوسائل الإعلام. ولو قارنا الوضع الحالي لولاية هلمند مع وضعها السابق لوجدنا أنها أحسن حالا في العديد من المجالات مثل انتعاش الأعمال التجارية وازدهار الزراعة، فضلا عن تناقص العنف ضد السكان. - الزعم بأنه لا يوجد ما يكفي من المدربين للقوات الأفغانية الناشئة: في هذا الشأن لابد من الاعتراف بأن حلفاءنا في أفغانستان لم يفوا بتعهداتهم ولا بتوقعاتنا منهم، خاصة فيما يتعلق بتوفير مدربين يتولون الإشراف على القوات الأفغانية، ولكن مع ذلك أرسل الحلفاء خمسة آلاف جندي خلال السنة الجارية، متجاوزين بذلك الوتيرة المتوقعة، هذا في الوقت الذي يشهد فيه عدد المدربين الأميركيين ارتفاعاً ملحوظاً، بالإضافة إلى تزايد عدد الضباط الأفغان المتخرجين من الدورات التدريبية التي تؤهلهم لتسلم المهام الأمنية، والأهم من ذلك كله هو مشاركة القوات الأفغانية في عمليات جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية واختبار قدرتها في التخطيط وتنفيذ العمليات المعقدة، وقد أتيح لي بنفسي رؤية علامات تقدم عملية التدريب في أفغانستان في ظل رغبة القوات الأفغانية في القتال، وهو ما انعكس في عدد المناطق والأحياء التي تحسن فيها الأمن وإن كان بشكل طفيف مقارنة بما كان عليه في السابق. - التوجيهات التي يتلقاها أفراد الجيش الأميركي بالحرص على حياة المدنيين تفاقم الخطر على حياة الجنود: لقد تم التطرق إلى هذه القضية من قبل العديد من المعلقين الذين أبدوا التخوف نفسه، مثلما أن المقالة التي نشرت في مجلة "رولينج ستون" التي كانت وراء الإطاحة بالجنرال ماكريستال أشارت إلى انزعاج الجنود من القيود التي تحد من قدرتهم على إطلاق النار تفاديّاً لسقوط المدنيين، ولكن الدلائل الميدانية تشير إلى العكس، ذلك أن العدد الأكبر من القتلى في الجيش الأميركي يسقط بسبب العبوات الناسفة التي تزرع على جنبات الطرق، ومع أن عدد المعارك التي تطلق فيها النار على القوات الأميركية ارتفع على نحو بسيط فقد سمح الجنرال ماكريستال في حال تعرض الجنود لعمليات إطلاق نار كثيف بطلب تعزيزات من الجيش لحماية أنفسهم. - إقالة وزراء في الحكومة الأفغانية ينعكس سلباً على الرئيس كرزاي: لاشك أن إعفاء كل من وزير الداخلية، حنيف أتمار، ومدير الاستخبارات، أمر الله صالح، حدث مؤسف، ولكن هناك أيضاً ظروفاً معينة دفعت كرزاي إلى إقالة الرجلين تتمثل في نظرتهما المتشددة إزاء "طالبان" في وقت يسعى فيه الرئيس إلى استمالة بعض القيادات المعتدلة منها وجذبهم إلى طاولة المفاوضات. - حرص كرزاي على التوصل إلى اتفاق مع العدو: مصدر هذا التخوف تساؤل البعض عما إذا كان اجتماع "لويا جيرغا" الذي عقده كرزاي في شهر مايو الماضي يعكس ضعف حكومته واستعدادها للاستسلام، والحال أن اجتماع أعيان أفغانستان كما يعرف بـ"لويا جيرجا" لم يضم أبداً ممثلين عن "طالبان"، أو شبكة "حقاني" اللتين تضمان العناصر الأكثر دموية داخل التمرد في أفغانستان، كما أن كرزاي لم يطلق أي دعوة لتعليق الدستور، أو الاستقالة، أو طرد قوات حلف شمال الأطلسي خارج البلاد، بل هو بادر مباشرة بعد الاجتماع بزيارة قندهار حيث دعا القادة المحليين إلى إبداء المزيد من الصبر والتضحية في الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد دون أن يعني ذلك استسلام الرئيس ورفع الراية البيضاء. - موعد 11 يوليو 2011 غير واضح: يعتقد البعض أن غموض الرئيس أوباما بشأن موعد الانسحاب الذي حدده يضعف المجهود الحربي في أفغانستان، والحقيقة أن هذا الغموض مطلوب لأنه يبقي على قدر من المرونة في الحركة ويمارس الضغوط على المسؤولين الأفغان لإحراز التقدم. وبالطبع لا يمكن التغافل عن المشاكل التي نواجهها في أفغانستان ومن أهمها تلك المرتبطة بجهاز الشرطة والفساد المستشري على نطاق واسع، لكن في المحصلة النهائية ما زلنا نتوفر على العديد من المكتسبات في أفغانستان يمكن في حال استغلالها جيداً التطلع إلى مخرج مشرف لقواتنا في المستقبل. مايكل أوهانلون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"