ربما تشير المواجهة التي حدثت الأسبوع الماضي بين أوباما وأحد كبار جنرالاته إلى بداية نهاية الحرب الأفغانية. وخلال عامين أو نحوهما سيكون في مستطاع الرئيس القول إنه منح الحرب أفضل ما استطاع، خلال مراجعته لاستراتيجيتها وتعيين أرفع جنرالاته العسكريين في قيادتها: الجنرال بتراويس صاحب استراتيجية "زيادة عدد القوات" التي حققت نتائج عسكرية باهرة في العراق منذ عام 2007. ولكن حتى هذه الجهود لم تحقق الغرض المنشود من الحرب. وحينها يستطيع الرئيس بدء سحب قواته من هناك في كل الأحوال. لا أقول هذا كنوع من تصويت سحب الثقة من الجنرال بتراويس الذي اختاره الرئيس مؤخراً ليحل محل الجنرال السابق ماكريستال. بل المقصود هو مجرد الاعتراف بأن الظروف التي توفرت لبتراويس في العراق، يصعب استنساخها لتحقيق النجاح ذاته هنا في الحرب الأفغانية التي اختير لقيادتها. ولنكن صرحاء، فما مكن بتراويس من النجاح في العراق ليس خطة زيادة عدد القوات بحد ذاتها. ذلك أن في وسع مدينة كبيرة مثل بغداد، يبلغ تعداد سكانها 5 ملايين نسمة، أن تبتلع 30 ألف جندي أميركي في طرفة عين، كما يقال، مهما كانت كفاءتهم وجاهزيتهم ومستوى إعدادهم الحربي. كما يصعب رد ذلك النجاح إلى مجرد تطوير الجنرال بتراويس لاستراتيجية مكافحة التمرد باعتبارها عقيدة عسكرية جديدة في تقاليد الجيش الأميركي. فالأركان الأساسية التي قامت عليها هذه العقيدة مثل: الحرص الشديد على حماية المدنيين أثناء ملاحقة المتمردين وقتلهم، وتفريق صفوف العدو بدلاً من توحيدها، تكاد تكون مما أصبح مألوفاً وشائعاً في جميع الكتب العسكرية الحديثة ذات الصلة. ولذا لم تبدُ هذه التكتيكات جديدة إلا في سياقها العراقي، حيث واصل العسكريون الأميركيون لسنوات عديدة ترهيب المواطنين والعوائل بطرق أبواب بيوتهم في منتصف الليل، ومعاملة ذويهم ليس باعتبار أنه يتعين الفوز بعقولهم وقلوبهم في الحرب، بل كما لو كانوا أهدافاً رئيسية للمعارك التي تدور ضد المتمردين! والحقيقة أن مساهمة بتراويس الأساسية في نجاح الحرب العراقية تعود إلى ممارسته للدور القيادي. فلم يكن توحيد الجيش والقوات المرابطة هناك أمراً سهلاً، وخاصة أن المهمة الرئيسية التي توحدت حولها تلك القوات قبل وصوله إلى العراق هي الانسحاب. فيما تحولت المهمة الرئيسية بعد وصوله في ربيع عام 2007 إلى حماية المواطنين العراقيين. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف عمل بتراويس بلا كلل أو ملل مع مرؤوسيه من قادة مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية في جميع المستويات. وأصدر بيانات وخطابات إلى الجنود توضح لهم أهم الملامح الرئيسية للاستراتيجية الجديدة التي تحثهم على كيفية العيش وسط السكان وتوفير الحماية الأمنية اللازمة لهم بأقل مظاهر الوجود العسكري بينهم ما أمكن ذلك. ولم يكتف بتراويس بالعمل وسط قادته وجنوده فحسب، بل خاطب العراقيين أنفسهم. ولم تكن هذه المخاطبة من موقع أن يقول لهم ما يجب عليهم فعله، وإنما اتسمت مخاطبته للعراقيين بقدر كبير من التواضع، بلغ حد استشارتهم والاستماع إلى رأيهم في ما يجب القيام به. ويجب الاعتراف أيضاً بأن أهم ثلاثة مستشارين استعان بهم بتراويس في تنفيذ مهمته العراقية، كانوا جميعهم من الأجانب: كيلكولين، وهو خبير في مكافحة التمرد نمساوي الأصل، وإيما سكاي، وهو أيضاً مستشار سياسي بريطاني كان معارضاً للحرب من أساسها، والثالث سعدي عثمان، وهو أميركي فلسطيني الأصل، عينه بتراويس مبعوثاً خاصّاً له لدى الحكومة العراقية. ومن بين العناصر المهمة التي توفرت لإنجاح مهمة بتراويس في العراق، الدعم الكبير الذي قدمه له السفير الأميركي هناك: رايان كروكر الذي يعد من خيرة الدبلوماسيين الأميركيين، وله خبرة واسعة في المنطقة بدأت بعمله لعدة عقود سابقة في باكستان ولبنان والعراق. وقبل تعيين كروكر سفيراً في العراق كانت الخلافات الحادة التي دارت بين السفير بريمر والقائد العسكري ريكاردو سانشيز قد قوضت جهود الحرب الأميركية هناك، إضافة إلى التشويش الذي خلقته تلك الخلافات بين القادة الأميركيين في أوساط العراقيين. وعلى عكس ذلك فقد عقد كل من بتراويس وكروكر العزم على تنسيق جهودهما وتحقيق النتائج والأهداف المرجوة للاستراتيجية الحربية الجديدة التي تبناها بتراويس. وقد انتقلت هذه الروح التعاونية إلى مرؤوسي بترايوس في الجيش الأميركي، حيث لم يعد ممكناً السماح بالخلافات والنزاعات الداخلية بين المسؤولين المدنيين والعسكريين على أية حال. وعندما عاد بتراويس وكروكر إلى واشنطن لتقديم إفاداتهما عن الموقف الأمني والحربي في العراق أمام الكونجرس في سبتمبر من عام 2007، كانا محاربين يقاتلان من خندق واحد، كل في مجال عمله وتخصصه. وليس متوقعاً للجنرال بتراويس أن يحظى بحليف قوي له في كابول على نحو ما توفر له في العراق. فهناك سيعمل مع السفير كارل إيكنبري، الذي لم يكف عن معارضته المستمرة لمبادرات الجنرال السابق ماكريستال. ولا تتوفر طبعاً للسفير إيكنبري ذات قاعدة التأييد القوي التي حظي بها السفير كروكر في وزارة الخارجية الأميركية. وقبل ذلك لا تتوفر لديه ذات المعرفة الواسعة بثقافة المنطقة وتقاليد أهلها وعاداتهم كما كان يحظى به نظيره كروكر في العراق. وكان الجنرال "أبي زيد" حاول بكل ما استطاع عرقلة الجهود التي قام بها بتراويس في العراق، علماً بأن إيكنبري قد استخدم ذات الحجج في وجه الجنرال ماكريستال في أفغانستان، وذلك لم يكن محض مصادفة إذا ما علمنا أن علاقة زمالة دراسية قوية تربط بين إيكنبري والجنرال "أبي زيد"، منذ أن كانا يتشاركان السكن في غرفة واحدة عندما كانا طالبين في قاعدة "ويست بوينت" العسكرية عام 1973. وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله انتشار ثقافة كراهية الأجانب في أوساط العشائر والقبائل الأفغانية، فإن معظم الظروف التي توفرت لنجاح مهمة بتراويس في العراق، تبدو صعبة على الاستنساخ هنا في كابول. توماس إي. ريكس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل رئيسي بمركز "نيو أميركا سيكيوريتي" ومؤلف كتابين عن حرب العراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"