المعلومة التي كشفتها رسالة "البلاك بيري" خلال الأسبوع الماضي، وكانت وما تزال حديث الناس وجعلت كل مواطن يتساءل: ما هو مبرر إعفاء أعضاء المجلس من المخالفات المرورية؟! ففي كل دول العالم، بل وأقدمها ديمقراطية لم يُعرف مثل هذا القرار، فلماذا أعضاء المجلس الوطني الاتحادي لديهم هذا الامتياز؟! المشكلة ليست في إعفاء رئيس المجلس الوطني الاتحادي من المخالفات المرورية، كما أن الاستياء من إعفاء أعضاء المجلس من المخالفات المرورية ليس مسألة شخصية، كما أن رئيس المجلس الوطني ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، فمنذ أن اعتلى هذا المنصب قدم الكثير، لكن مسألة الإعفاء من المخالفات المرورية أثارت استياء الناس من هذا الأمر؛ لأنه كشف في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من ثقل غرامات المخالفات المرورية والتي تبدو في بعض الأحيان جباية للمال أكثر منها وسيلة لردع المخالفين، فيدفع المواطن العادي آلاف الدراهم في تلك المخالفات ثم يكتشف أن "ممثلي الشعب" لا يعانون مما يعاني منه المواطن، ويحصلون على استثناءات لا يجد لها المواطن مبرراً، فيتساءل: لماذا يعفى عضو المجلس من المخالفات، وهو الذي يفترض أن يكون أكثر الناس التزاماً بقوانين السير والمرور؟! نعرف أن هناك حصانة لعضو المجلس الوطني، وفي كل دول العالم تُوجد تلك الحصانة حتى يتمكن عضو البرلمان من أداء دوره كممثل للشعب، وبالتالي يتكلم تحت قبة البرلمان بالذي يريده حتى يستطيع علاج القضايا المهمة التي تواجه المجتمع، فهذه الحصانة لحماية البرلماني وليس لاستثنائه من المخالفات المرورية. وقد ظهرت الحصانة البرلمانية لأول مرة في إنجلترا عام 1688 بعد إقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق، حيث نصت على أن حرية التعبير والمناقشة داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سبباً للملاحقة القضائية أو محلاً للمساءلة أمام أي من المحاكم. فالبرلمانيون بحاجة ماسة إلى حصانة سياسية حقيقية تحميهم من تصفية الحسابات السياسية، وليسوا في حاجة إلى حصانة جنائية. لذا من المفترض أن لا يمر موضوع استياء المواطنين من إعفاء البرلمانيين من المخالفات المرورية مرور الكرام، ولا يجب اعتباره لعبة من ألعاب "البلاك بيري" يتسلى بها الناس، فمن الواضح أن لدى المواطنين أشياء يريدون قولها وأن هناك أموراً لا تعجبهم ولا يستطيعون نقلها إلى المسؤولين. ولا يجب حصر القضية في مخالفات رئيس المجلس الوطني، فالكل يعرف أنه يستطيع دفع جميع مخالفاته المرورية. ويجب الاهتمام بالهم الذي أصاب المواطنين الذين اكتشفوا أنه في الوقت الذي يعانون فيه من تراكم غرامات المخالفات المرورية التي يفترض في أعضاء المجلس الوطني السعي إلى تخفيفها، وجدوا أنهم فضلاً عن أنهم أصلاً لا يدفعون المخالفات، لا يهتمون بالموضوع! نقول إنه يتم إقرار الإعفاء إما لأن تلك المخالفات ليست منطقية أو لأنها كبيرة فلا يحتمل دفعَها أعضاءُ البرلمان! وفي كلتا الحالتين يفترض أن يشمل الإعفاء جميع المواطنين بما أنه شمل ممثليهم الشرعيين، أو أن يتم تخفيض تلك المخالفات، بحيث يستطيع أن يدفعها أعضاء المجلس الوطني والمواطنون دون الحاجة لإعفاء فئة من المواطنين منها. المجلس الوطني في دورته السابقة لم يرض طموح المواطنين والأعضاء المنتخبين لم يكونوا أفضل حالاً من الأعضاء الذين كان يتم تعيينهم في المجلس سابقاً، بل على العكس فإن بعض الأعضاء المعينين كانوا أكثر فاعلية وجرأة وحماسة لقضايا الوطن والمواطن، وهذا الاختبار الأول للمجلس نصف المنتخب ويفترض تقييم التجربة بشكل دقيق، بالطبع دون التفكير في التراجع عنها. فإما أن الخلل في تركيبة المجلس؛ لأنه لا هو معين بالكامل ولا هو منتخب بالكامل، وبالتالي أدى ذلك إلى ظهور المجلس بهذا الشكل. أو أنه بسبب العذر القديم المتجدد والشماعة التي يعلق عليها الجميع أخطاءه، وهو اللائحة التنفيذية للمجلس والدستور الذي يحد من صلاحيات الأعضاء. المسؤولون يريدون أعضاء مجلس وطني حريصين على مصلحة الوطن والمواطن، فالأعضاء انتخبوا أو تم تعيينهم من أجل أن يمثلوا الشعب وليس لكي يتميزوا عنه ويستفيدوا من وضعهم للمطالبة بامتيازات مرفوضة. يفترض إدراك أعضاء المجلس الحاليين أنهم يحملون مسؤولية كبيرة على عاتقهم في إنجاح هذه التجربة واستمرارها، وتذكر أن هناك مواطنين تحمسوا لانتخابهم والتصويت لهم للوصول إلى البرلمان، واستحضار آمال المواطنين، وتحقيق الوعود الانتخابية التي أطلقوها في حملاتهم. إن هناك دائماً أعضاء متميزين قدموا الكثير للمجلس... لكن يبقى أن هناك فرصة لكسب ثقة المواطنين من جديد من خلال أن يشكر أعضاء المجلس الوطني الاتحادي مَن منحهم الإعفاء من المخالفات المرورية، وأن يطالبوا بالتخلي عن هذه الميزة، وبالتالي يتقبل الأعضاء المخالفات المرورية مساواة بالمواطنين.