في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "الاتحاد" مؤخراً، أشاد وزير الثقافة والاتصال الفرنسي، فريدريك ميتران، بما تشهده أبوظبي من نهضة ثقافية، وأكّد أنها حاضنة لثقافات العالم بما تمثله من قيم سامية، وأنها تقدم نموذجاً لإمكانية التعايش الودي بين الناس، لما تجسده من سلوكيات التسامح الإنساني والديني بين المقيمين على أراضيها. هذه الإشادة تعكس بوضوح التقدير الدولي المتنامي للنهضة الثقافيّة التي تشهدها أبوظبي في ميادين ومجالات متنوّعة، باتت معه الإمارة نموذجاً عالمياً للعواصم الثقافية الرائدة والناهضة، ومقصداً لرواد الثقافة وصنّاعها ومحبيها من كل دول العالم، نظراً لانفتاحها الثقافي الواسع على الثقافات والفنون العالميّة بمختلف أنواعها وأشكالها. المكانة التي وصلت إليها ثقافة أبوظبي لم تأتِ من فراغ، وإنما من خلال استراتيجية ثقافيّة لها أهدافها الواضحة، تقوم على إيمان راسخ بأهمية الثقافة ودورها الكبير في التنمية بمفهومها الشامل، وما تمثله من جسر للتفاهم والتعارف بين الأمم والشعوب، وهذه الاستراتيجيّة تمت ترجمتها على أرض الواقع في العديد من مشروعات البنية التحتية الثقافية التي تأخذ في اعتبارها خصوصية الإمارات الحضاريّة والمجتمعيّة من ناحية، والانفتاح على المشهد الثقافي العالمي وفعالياته المختلفة من ناحية ثانية. ولعل من أهم المشروعات الثقافية في أبوظبي مشروع تطوير المتاحف، وبصفة خاصة مشروع متحف "لوفر أبوظبي" الذي من المخطّط له أن يفتتح في "جزيرة السعديّات" في عام 2012، وهذا المشروع يمثل علامة ثقافيّة مهمّة في الإمارة، وفي دولة الإمارات ومنطقة الخليج بشكل عام، إضافة إلى العديد من المشروعات الأخرى التي أصبحت تحظى باهتمام إقليميّ ودوليّ واسع النطاق، كـ"جائزة الشيخ زايد للكتاب"، التي تعدّ بمنزلة "نوبل العربيّة"، وتقدّر قيمة جوائزها الماليّة بسبعة ملايين درهم تمنح سنوياً للمبدعين في مجالات المعرفة المختلفة، وأصبحت تستقطب مشاركة واسعة تتزايد كل عام، و"معرض أبوظبي الدّولي للكتاب"، الذي شهد تطوّراً كبيراً خلال الفترة الماضية جعله من معارض الكتب الرّائدة في منطقة الشرق الأوسط، كما يبرز "مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي" في أبوظبي، الذي يستقطب الأعمال السينمائيّة المميّزة، العربيّة والأجنبيّة، ويمثل مناسبة للتفاعل بين صنّاع السينما في الغرب والشرق، وتبادل الخبرات على طريق دعم السينما في المنطقة العربيّة والخليج، إضافة إلى "بيت العود العربي" في أبوظبي الذي تم إنشاؤه بهدف جعل الموسيقى الشرقية لغة عالميّة تنطلق من أبوظبي إلى كل العالم، وقطع خطوات مهمّة نحو تحقيق هذا الهدف، فلم تعد أمسياته تقتصر على الحفلات في العاصمة أبوظبي، بل تشارك في الفعاليات الخارجية المهمّة. هذه المشروعات الثقافية المتنوّعة التي تشهدها أبوظبي، وإن كانت تعكس التفاعل مع ثقافات العالم الأخرى، فإنها تجسّد أيضاً قيم التسامح والتعايش التي تمثل معلماً بارزاً في الذهنية الوطنيّة لدولة الإمارات، التي تؤمن بأن الانفتاح على الثقافات الأخرى أصبح أحد المداخل المهمّة لفهم الآخر، وبناء قواسم مشتركة معه، بما يدعم أجواء السلام والتفاهم والحوار على المستوى العالمي. ولعل هذا ما جعل أبوظبي، والإمارات بوجه عام، واحة للتعايش والتوافق بين الثقافات كافة، يأتي إليها ملايين البشر للعيش على أرضها تحت مظلّة واحدة بغضّ النظر عن انتماءاتهم المختلفة؛ لأنهم على ثقة بقدرتهم على التعايش في أمن وسلام، بعيداً عن أيّ احتقانات أو توتّرات قد تنشأ نتيجة لاختلاف مشاربهم القيمية أو الثقافية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.