... خطوة الحكومة العراقية بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتسخير كافة الإمكانيات لمحاربة الإرهاب تأتي في وقت يشهد الوضع الأمني تدهورا متسارعا , حيث تزداد يوما بعد يوم حوادث التفجيرات والاغتيالات , وتتصاعد الاحتكاكات الدامية بين أطياف المجتمع , حاملة بين طياتها نذر فتن طائفية لاتبقي ولا تذر, وراسمة صورة شديدة القتامة والظلام , تكاد تطفيء أي بارقة أمل في عودة الحياة إلى طبيعتها بعد الثلاثين من يونيو الجاري , مما يضع سلطة الائتلاف المدنية والعسكرية أمام خيار حسم التردد وإعادة النظر, قبل فوات الأوان , في موقفها وتسليم الملف الأمني بكامله إلى السلطة الوطنية العراقية , التي بدأت , وبمسؤولية ووعي , في ممارسة مهامها وواجباتها بكل ما توفر لديها من إمكانيات من أجل تطبيع الأوضاع بإزالة العقبات التي تعترض قيام العراق الجديد.
ويجمع العراقيون على أن المخاطرالأمنية التي يواجهونها في الوقت الحاضر, ليست عصية على الحسم والمعالجة, طالما أنها تنحصر تحديدا في بقايا العناصر الأمنية والعسكرية من سدنة وجلاوزة النظام السابق الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج الواقع والزمن, وفي قطعان المجرمين والقتلة التي أطلقها صدام حسين من السجون قبيل سقوطه, وفي الأعداد الكبيرة من الإرهابيين الذين استدعاهم النظام السابق من الخارج إبان الحرب, وتلك التي تسللت عبر الحدود المفتوحة في شكل جماعات أو في صورة أجهزة استخبارات أجنبية تعمل لصالح أجندتها الخاصة, وفي القوى الطائفية والحزبية التي تحاول اختطاف دورالدولة والتضييق على السكان من خلال تطبيق رؤاها وتصوراتها المشوشة والملتبسة, بل والمنحرفة عن جادة الصواب, ويعني هذا التشخيص الدقيق والحصر الشامل لهذه المهددات والمنغصات أن العراقيين يعرفون الداء والدواء , فإذا ما آل إليهم الأمر برمته, فإنهم لا شك معالجوه ومقتلعوه من جذوره, بدلا من معالجة أعراضه مثلما هو حاصل الآن.
إن بقاء الحال على ما هو عليه بعد الثلاثين من يونيو وخصوصا ما يتعلق بالجانب الأمني, سيلحق ضررا كبيرا بعملية التحول الديمقراطي التي باشرتها الحكومة الانتقالية, ويهدد المكاسب الكبيرة التي حصل عليها العراقيون بعد التاسع من أبريل 2003 , علاوة على عرقلة وإعاقة جهود إعادة الإعمار التي يعول عليها كثيرا في إخراج البلاد من محنتها الاقتصادية والاجتماعية التي كلما طالت , ستجلب المزيد من الفلتان واليأس والبؤس.