كان الأستاذ عبدالحليم أبو شقة يزورني في ألمانيا وهو متأبطُ عشرات الكتب من التفاسير وكتب الحديث التسعة، وبرفقته زوجته الصالحة، ثم نستأجر له غرفة دافئة في ثلج ألمانيا، وهو المصري الذي لم ير الثلج في حياته إلا في السينما، ثم يعكف على استخراج الأحاديث الصحيحة من بطون المتون، ويقول لا أريد من المسلمين أن يفعلوا أكثر من تأمل الحديث فقط. تأمل معي قصة أم سلمة وهي في المسجد تزاحم الرجال وتتعلم سورة قاف مباشرة من منبر النبي. تأمل معي حديث العروس وهي تتقدم بالضيافة للرجال؟ ثم يعقب أليس عجيبا غياب كل هذه الثقافة؟ يقول أبو شقة انظر إلى هذه المرأة في المسجد كاشفة الوجه، وتلك المرأة الوضيئة التي كان ابن العباس الفضل ينظر لها؛ فيمسك النبي وجهه فيديره، ويقول له لا تتبع النظرة النظرة؟ إنه أمر يستحق أن تكتب فيه موسوعة كاملة؟ وهو ما فعله بكتابه تحرير المرأة في عصر الرسالة عليه رحمة الله فقد كان الرجل مثالاً في العلم والأخلاق والفهم والنضج. تأمل معي الصحابية التي قدمت من هجرة الحبشة، فيدخل عمر رضي الله عنه عليها فيحدث كلام بينهما، فتغضب وحين يسمع النبي بالحوار يثني عليها وأنها سبقت بالإيمان والهجرة. يقول أبو شقة كل الأحاديث التي تتبعتها، وهي في حدود أربعين حديثاً تشير إلى أن كشف الوجه، هو الأصل، وهو السائد وهو عمل النساء في زمن الصحابة! ثم يتبع أبو شقة حديثه فيقول لا بد من نفض التراث من جديد وإخراج موسوعة تخص المرأة والمرأة بشكل خاص، لأنه من هذا الباب جاء العمى والبلاء، حين أصيب المجتمع بالشلل، فهل يعقل أن يمشي الإنسان بساق واحدة. والمجتمعات الإسلامية اليوم تمشي بساق واحدة عضلية من الرجال. والقرآن يشير إلى هذا المنعرج في أكثر من آية من مساهمات المرأة؛ في سورة البروج إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات... وفي سورة آل عمران "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى"، وفي سورة النحل (منْ عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة). نحن في عصر الجنون من طرفين؛ المسلمون مثل سمك السلمون، يهاجرون إلى أوروبا ويرجعون إلى شرانقهم وقواقعهم المغلقة، تماماً كما في رحلة سمك السلمون في كندا الذي يخرج من نهر فرايزر ويعود إليه. والفرنسيون المرعوبون من الزحف الإسلامي بعد أن أصبحت اللغة العربية الثانية في باريس، بهجرة نصف شمال أفريقيا إليها كأنهم جراد منتشر، مهطعين إلى الداعي هرباً من الخوف والبطالة. لكن في نهاية المطاف هناك الأعجب؛ فالأحاديث الأربعون التي استدل بها أبو شقة على أن الأصل هو كشف الوجه فضلًا عن النقاب وسواه، أتى شيخ فقال عن نفس الأحاديث إن فيها الدلالة الكافية على أن العورة الكبرى هي الوجه فوجب تغطيته. لكن المشكلة ليست هنا ولا هناك، ليست في قماش يغطي الرأس أو حسر عنه، بل بماذا يُحشى الرأس من أفكار؛ فيفرز فعالية في السلوك أو كلل قاتل لا يحيد.. المعركة كما نرى هي حول الناب والنقاب وقماش يغطي الرأس، أما المخ فهو ليس مكان المعركة...