قضية "لوموند" تعمق جراح ساركوزي... وبروكسل تهدد بتدابير قضائية! التجاذب بين قصر الأليزيه وصحيفة لوموند حول اتهامات بالتنصت، والسجال بين فرنسا والاتحاد الأوروبي على خلفية قضية ترحيل الغجر، وانخفاض شعبية سياسات أوباما بشكل ملحوظ في أوروبا، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. تجاذب ساركوزي ولوموند ما زالت افتتاحيات معظم الصحف الفرنسية تردد أصداء الحملة التي أطلقتها لوموند ضد قصر الأليزيه إلى حد اتهامه بالتنكر لقيم الجمهورية وإساءة استخدام السلطة على خلفية ما تقول الصحيفة المسائية المرموقة إنه تجسس قد تعرض له أحد صحفييها بهدف التعرف على أحد مصادره، فيما يتعلق بتسريبات قضية "فيرت- بيتانكور". وفي هذا السياق، في افتتاحية "لومانيتيه" انتقد "باتريك لوياريك" بشدة موقف ساركوزي معتبراً أن ما جرى يشكل خرقاً لا لبس فيه للتشريعات الضامنة للحرية الإعلامية، فما تكشف الآن من تنصت على صحفيي لوموند، ينبغي ألا يمر مرور الكرام. فمثل هذه الممارسات لا يمكن إيجاد أية تخريجة لها لجهة خدمة المصلحة العامة، التي تقتضي إنارة كافة الزوايا المظلمة لقضايا الرأي العام والفساد المثارة حاليّاً. وبدلاً من اختيار قاضٍ أو محقق مستقل للتثبت من مصدر التسريبات في الجهاز الحكومي تم تكليف الأجهزة الاستخبارية بهذه المهمة، والأدهى من ذلك أن كل هذا تم تدبيره باسم الحفاظ على المصالح العليا للدولة، هذا في حين أن المسألة لا تعدو كونها مسعى مكشوفاً للحفاظ على المصالح العليا لبعض المتنفذين، وفي مقدمتهم بعض الوزراء، بل ورئيس الجمهورية نفسه. وفي افتتاحية أخرى كتبها فرانسوا مارتن في "ميدي ليبر" قال إن خطاب التشنج والسجال أصبح واقعاً مقيماً على الصدور، فلا يكاد يمر أسبوع دون تفجر قضية مثيرة للجدل، أو حدوث ملاسنة، أو اتهام وزير ما في أدائه أو ذمته، وهكذا تترى الزوابع، وصباح الخير يا فرنسا المستقرة، صباح الخير يا جمهورية فوق الشبهات! وبعد زوبعة ترحيل الغجر، وتداعيات قضية "فيرت- بيتانكور" ها هي عين العاصفة تقترب من ساركوزي نفسه، بعدما أصبح قصر الأليزيه متهماً باجتياز الخط الأصفر بخرقه لقانون سرية المصادر الصحفية، وكأن قضية شائكة مثل هذه هي ما ينقصه الآن. وأسوأ من ذلك أن هذه القضية مع ما فيها من مطبات إعلامية ربما تكشف أيضاً عن بعض الصراعات في صفوف الحكومة الداخلية، وهنا، مرة أخرى، مرحباً بكم في عالم تصفية الحسابات الشخصية، فقد وقع الاختيار على مكتب وزيرة العدل "ميشيل أليو- ماري" لكي تلصق به تهمة تمرير التسريبات، وهذه الضربة التي تحظرها قواعد اللعبة يوجهها رئيس الحكومة "فرانسوا فيون" لمن قد تحل محله ذات يوم، خاصة أن وزيرة العدل تعد من المرشحين الأقوياء في ماراثون السباق إلى قصر ماتينيون (مقر رئاسة الحكومة الفرنسية)! وفي المقابل نشرت صحيفة لوفيغارو افتتاحية كتبها "إيف تريّار" سعى فيها لتفنيد التهم الموجهة لساركوزي فيما يتعلق بقضية لوموند، مشيراً إلى أن مهاجمة الرئيس أصبحت وسيلة تخويف في الفترة الأخيرة، حين يقال ارتعدوا قليلاً أيها القراء الأعزاء، فإن من يقودكم ديكتاتور، فبعد قضية الغجر، التي تهاطلت على جنباتها تهم النازية والبيتينية (نسبة لبيتان رئيس حكومة "فيشي" تحت الاحتلال النازي)، ما زال مكتئبو الجمهورية، سادرين في حملتهم، مدعومين في ذلك دون قيد أو شرط من طرف الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية. وجديد هذه الحملة هو ترويج لوموند، لما سمته "ساركوغيت"، متهمة إياه بالتجسس عليها. ولكن المفارقة في هذه الزوبعة تكمن في أن من قيل إن التجسس وقع عليه ليس الإعلام، وإنما مصدره. وهذا شيء طبيعي، لأن القانون يلزم أحد معاوني وزيرة العدل بواجب التحفظ أثناء أداء عمله. هذه هي القضية. وحتى إذا كانت طريقة التقصي الشرطية غير مناسبة في هذه الحالة فإن الجريدة ليس لديها ما تشتكي منه، ولا ما يبرر لعبها دور الضحية. أما لوموند نفسها فقد ردت بافتتاحية هادئة على افتتاحية لوفيغارو السابقة، مؤكدة أنها لا تعترض على حق الحكومة في مكافحة التسريبات، ولكنها تدين، دون تحفظ، الطرق التي تم اتباعها في سبيل ذلك. والأمر في هذه الحالة لا يتعلق بخطر داهم على أمن الدولة بقدر ما يتعلق بخطر آخر محدق بتشكيل سياسي متنفذ، وأجهزة تجسس خلا لها الجو لكي تعيث في حرية الصحافة، كيفما شاءت. ومع ذلك فلوموند ليست في وارد الدخول في صراع فردي مع رئيس الدولة، تقول الصحيفة، حيث إننا نترك للأغلبية الحاكمة شأن تصفية حساباتها الداخلية الخاصة، وكذلك نترك للمعارضة كليشيهات هذه الـ"ساركوغيت" التي هبطت عليها من السماء، لكي توظفها هي أيضاً كيفما شاءت. قضية ترحيل الغجر في افتتاحية ليبراسيون توقف الكاتب "فرانسوا سيرجان" على بعض دلالات التجاذب الراهن بين فرنسا والمفوضية الأوروبية على خلفية حالة استياء واسعة في بروكسل من ترحيل باريس للغجر الرومانيين والبلغار، على نحو اعتبر منافيّاً للمبادئ والتشريعات الأوروبية. والحاصل أن مشجب الهواجس الأمنية الذي امتطى ساركوزي صهوته متصوراً أنه رهان رابح قد انقلب عليه الآن، رأساً على عقب. ومن يتصورون أن حملة المفوضية الأوروبية ضد سياساته الأمنية يمكن التقليل من شأنها إنما يخلدون للأوهام. والمطلوب اليوم من ساركوزي هو التفكير في الإجابات المقنعة التي سيقدمها في بروكسل في مواجهة الاتهامات المحددة التي توجهها المفوضة الأوروبية إليه بخصوص طريقة تعامله مع الغجر والمهاجرين التي توصف بالتمييز. كما أن عليه أن يعرف أن من يطمح للعب دور بارز على المسرح الدولي عليه ضرب الأمثلة الحسنة، فقبل إلقاء الدروس على بقية العالم، ينبغي للمرء أن يكون في وضع فوق الشبهات. وفي افتتاحية لـ"لاشارانت ليبر" استعرض "جاك غويون" بعض مآزق ساركوزي الراهنة، فبعد الحملة الشعواء ضده في الصحافة الأجنبية، ومن قبل الأمم المتحدة، ها هو يتلقى بالأمس القريب صفعة أخرى وبقوة غير معهودة من قبل أجهزة بروكسل الإدارية، وذلك في خطاب رسمي ألقي علناً وتبدو كل كلمة فيه محسوبة بعناية فائقة. فقد هددت المفوضة الأوروبية فيفيان رودينغ باتخاذ تدابير قضائية ضد فرنسا بسبب عدم التزامها بالتشريعات الأوروبية ذات الصلة. وقد وصلت لهجة التصعيد الأوروبية إلى حدود استخدام المفوضة رودينغ في توصيفها لكلمة "العار" مهددة بأن لصبرها حدوداً! وعلى ذكر "العار" تصدت افتتاحية في صحيفة لوفيغارو لاتهامات بروكسل قائلة إن عملية تفكيك معسكرات الغجر العشوائية ليس فيها ما يجلب لباريس "العار"، كما زعمت رودينغ. ومهما وقع إسقاط الممارسات النازية والتشنيع على تدابير تفكيك مخيمات الغجر فإن هنالك حقيقة هي أن أغلبية المواطنين الفرنسيين تؤيد تدابير الحكومة تلك، وهذا ما ينبغي أن يضعه بيروقراطيو بروكسل الأوروبيون في حسابهم. شعبية أوباما الأوروبية الكاتب بيير روسلين سعى في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو لتحليل دلالات تراجع شعبية سياسات أوباما مقارنة بارتفاع شعبيته الشخصية، مشيراً إلى أن سيد البيت الأبيض ما زال يحظى بتأييد واسع في أوروبا، وخاصة في فرنسا، دون أن يتمكن من جعل سياسات إدارته تنال ذات القدر من الجاذبية أو القدرة على الإقناع. وقد كشف استطلاع رأي سنوي تجريه مؤسسة "جيرمان مارشال" أن نسبة 78 في المئة من الأوروبيين ما زالوا ينظرون بإيجابية إلى الرئيس الأميركي، وإن كانت هذه النسبة في حد ذاتها أقل بانخفاض5 نقاط من نسبة شعبيته في السنة الماضية. وفي فرنسا تحديداً وصلت نسبة تأييده إلى 88 في المئة، بانخفاض 6 نقاط عن العام الماضي. وإذا نظرنا إلى ملفات سياسة أوباما الخارجية نجد أيضاً تفاوتاً محسوساً في نسب التأييد، فعلى سبيل المثال عبّر 18 في المئة فقط من الفرنسيين عن اقتناعهم بإمكانية تهدئة الوضع في أفغانستان، مقابل 51 في المئة من الأميركيين. وفيما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع أوروبا اعتبر 47 في المئة من الفرنسيين أنها إيجابية، مقابل 42 في المئة فقط من البريطانيين الذين أثرت عليهم سلباً قضية شركة "بي. بي" والطريقة التي عوملت بها بعد تلوث خليج المكسيك. إعداد: حسن ولد المختار