يمكن النظر إلى هذا المقال على أنه "نظام إنذار مبكر" يشير إلى مظاهر تعمل حالياً على تغيير بنية ومعاني المجتمع والاقتصاد ونظم الإدارة في الإمارات. مظاهر من المحتمل لها أن تؤدي إلى قولبة وصقل كافة جوانب الحياة المستقبلية لشعب الإمارات على مدى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وما بعد ذلك. وهي تتكون من حقائق وتحديات قادمة. وفي سياق الإنذار المبكر الذي أتحدث عنه يمكنني الإشارة إلى زوايا أربع: أولاً، دخلت إلى مجتمعنا تكنولوجيات حديثة، ومن المؤكد أن تؤدي إلى خلق صناعات جديدة وأعمال جديدة، وبأن تجعل من أعمال وصناعات قائمة شيئاً من الماضي. الأعمال والصناعات التي ستنمو مستقبلاً من المرجح لها أن تكون نتيجة للاستكشافات المعرفية التي حدثت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الجديد. ثانياً، نحن نواجه تغييرات رئيسية في الاقتصاد العالمي. وعلى صعيد السياسات والنظريات الاقتصادية، لانزال نتصرف وكأننا نعيش في اقتصاد عالمي تشكل فيه دول منفصلة الوحدات، وتتعامل مع بعضها بعضاً عبر التجارة العالمية، وعلى أساس أن كل واحدة منها مختلفة في كل شيء عن الأخريات. لكن ظهر اقتصاد عالمي تعمل فيه المعلومات المشتركة على توليد نفس الشهية الاقتصادية والتطلعات والمطالب التي تجتاز الحدود الوطنية للدول متجاهلة كافة الثقافات واللغات والأيديولوجيات السياسية. لقد أصبح العالم سوقاً واحدة. لكن الاقتصاد العالمي لايزال يفتقد إلى المؤسسات الاقتصادية، وإلى سياسة أونظرية لاقتصاد عالمي. ثالثاً، المنظومات الخاصة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية لمجتمع الإمارات تتغير بسرعة، فالمجتمع يعيش عصراً من الانفتاح والرغبة في الرقي، وكل وظيفة اجتماعية منفردة ذات أهمية في عالم اليوم تناط بمؤسسة كبرى يتم إدارتها من قبل مدراء متخصصين. لكن حيث أن الافتراضات التي تسود ما نتوقعه ونراه لا تزال مرتبطة بمواريثنا القبلية والثقافية القديمة، فإن الواقع الذي يحكم سلوكنا الحديث مرتبط بإطار منتظم بدقة. لذلك فإن أمامنا نقطة تحول بالنسبة لهذا النمط، فنحن قمنا بخلق واقع اجتماعي اقتصادي جديد دون أن نكون قادرين على استيعاب تفاصيله بشكل دقيق. هذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسي الجديد يفرض علينا تحديات فلسفية جديدة تذهب بنا بعيداً في عمر المستقبل. رابعاً، الأهم بين هذه التغيرات الجديدة أن المعرفة خلال العقود القليلة الماضية أصبحت الرأسمال الأساسي، ومركز التكلفة الفعلية والمورد المهم للاقتصاد والمجتمع وليس النفط كمادة ناضبة. لقد أدى ذلك إلى تغير القوى العمالية، وتغير العمل ذاته، والتعليم والتعلم، ومعنى المعرفة وسياساتها، لكن هذه الحقيقة تثير مشكلة المسؤوليات التي تقع على كاهل أهل العلم والمعرفة. الآتي من الأيام سيشهد تغيرات كبرى، فإما أن تتعلم الإمارات وشعبها كيف تقوم بتجديد القدرة على التنمية المستدامة، أو لنتوقع لأنفسنا مستقبلاً يتم الجلوس فيه على دكة غير المهمين في هذا العالم. ما حققته الإمارات وشعبها خلال الأربعين عاماً الماضية يشكل دليلاً وهادياً ونبراساً على أنها تستطيع تحقيق المزيد من الإنجازات المبهرة في الآتي من الأيام، وإن غداً لناظره قريب.