عندما يكون اقتصاد أي دولة قادراً على توليد وظائف جديدة بأعداد تغطّي أعداد الباحثين عن فرص عمل في الأسواق، وتستوعب إلى جانب ذلك المنضمّين حديثاً إلى القوة العاملة في الدولة، فإن هذا يدل على أن هذا الاقتصاد يحقق نمواً كمياً مرتفعاً، ويسير في اتجاه زيادة حجم طاقاته الإنتاجيّة من خلال التوسع في خطوط الإنتاج والمشروعات الجديدة، وعندما يكون هذا الاقتصاد قادراً على توليد نوعيّات جديدة من فرص العمل لم تكن متوافرة في أسواقه من قبل، فهذا دليل على أن هذا الاقتصاد يسير في اتجاه تنويع الأنشطة المكونة لهيكله الإنتاجي، وكذلك تطوير طرق العمل والإنتاج المستخدمة فيه. وهذا الأمر ينطبق على الاقتصاد الوطنيّ في الوقت الحالي، حيث تشير نتائج المسوح الدورية التي تقوم بها مؤسسات التوظيف كمؤسسة "بيت دوت كوم"، ومؤسسة "باك الشرق الأوسط للتوظيف"، إلى أن أسواق العمل الإماراتيّة تشهد تحولات إيجابية في الوقت الحالي، حيث يؤكد نحو 66 في المئة من أصحاب الأعمال أن لديهم خططاً لتوظيف أيدٍ عاملة جديدة لديهم خلال عام 2011، ويعبّر هذا المؤشر عن أن أسواق العمل الإماراتية مرشّحة لتشهد نمواً في أعداد فرص العمل المتاحة فيها خلال الفترة المقبلة. كما تشير نتائج المسوح المذكورة إلى أن أسواق العمل الإماراتيّة شهدت خلال الفترة الأخيرة ارتفاعاً في أعداد الأيدي العاملة التي تخطّط للانتقال إلى وظائف جديدة في الأسواق نفسها بغرض الحصول على وظائف أفضل، ويمثل ذلك مؤشراً إلى أن هناك ثقة لدى هؤلاء الأفراد بقدرة الاقتصاد الوطني على توفير فرص عمل بنوعيات ومميزات أفضل مقارنة بما هو متوافر حالياً. لا يمكن فصل التطوّر الإيجابي الذي تشهده أسواق العمل الإماراتية في الوقت الحالي عن النتائج الإيجابيّة للقرارات الحكومية خلال الأشهر القليلة الماضية بشأن تطوير أسواق العمل في الدولة، وهي القرارات التي جعلت الأسواق أكثر مرونة من ذي قبل، وحقّقت نوعاً من التوازن في العلاقة بين أصحاب الأعمال من ناحية، والعاملين من ناحية أخرى، بما يصون حق كلّ منهم، وتساعد هذه القرارات أسواق العمل على تأدية دورها كمموّل للأنشطة الاقتصادية بالأيدي العاملة والكوادر البشريّة المؤهلة اللازمة بتكاليف أقل ممّا كان في الماضي أيضاً، كما تساعد على حماية القوى العاملة في دولة الإمارات من الاستنزاف، فهي تسمح للعمالة الوافدة بالتنقّل من مؤسسة إلى أخرى من دون الاضطرار إلى مغادرة البلاد بشكل مؤقت، أو التعرّض لخطر الإبعاد النهائي، وهو ما كان يُعدّ سبباً لتسرب جزء من هذه العمالة إلى الخارج، بعد أن تكون قد اكتسبت من الخبرات ما يمكن توظيفه في خدمة أهداف التنمية في الدولة. تشير هذه المظاهر في مجملها إلى أن الاقتصاد الإماراتي قد تمكّن بفضل نموه وديناميكيته المعهودة على مدار السنوات الماضية من أن يمدّ أسواق العمل بالزخم والديناميكية المطلوبة، خاصة خلال العامين الأخيرين اللذين شهدا، برغم "الأزمة المالية العالمية"، استمراراً في توليد فرص العمل الجديدة من حيث الكمّ أو النوع، وكذلك تحسناً مستمراً في ظروف العمل ومناخه، ومن المتوقّع أن تشهد الفترات المقبلة المزيد من التحسن في المتغيرات الكمية والنوعية في أسواق العمل الإماراتيّة، بالتوازي مع النمو الاقتصادي المتوقع، وحرص الدولة الدائم على تطوير أسواق العمل لتكون أكثر أداءً لدورها، وأكثر مواكبة لتطورات أسواق العمل على المستوى العالمي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.