أجرت وزارة الصّحة، مؤخراً، تحليلاً للبيئة الداخلية والخارجية التابعة لها وفق أسس علمية، لتقويم مواقع القوة والضعف في العمل، خلصت من خلاله إلى وجود تحدّيات عديدة تواجه الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية، أهمها ارتفاع تنافسية القطاع الصحي الخاص من حيث الجودة والتكلفة، وتوسّع انتشار الأمراض المزمنة بين مختلف فئات المجتمع، والنمط الاستهلاكيّ الغالب على العديد من فئات المجتمع، وتأثير ذلك في استخدام الخدمات الصحيّة داخل الدولة وخارجها، وقلة عدد الكوادر المواطنة المتخصّصة بالمجال الصحي. الواقع يشير إلى أن هذه التحدّيات لا تنفصل بأي حال عن العديد من المشكلات الهيكليّة الأخرى التي تواجه القطاع الصحي في الدولة، سواء تلك الخاصة بغياب معايير التوظيف الموحّد في هذا القطاع، وما يرتبط بذلك من ضعف الكفاءات الطبية أحياناً، أو تلك المتعلّقة بضعف آليات الرقابة، وسوء التعامل مع خدمات الضمان الصحي، ناهيك عن اختلاف السياسات التي تطبّقها الجهات الطبية المختلفة في الدولة، وتضارب القرارات في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي اعترفت به الوزارة حينما تحدّثت عن وجود ضعف في المتابعة والتنسيق في تنفيذ المبادرات ضمن القطاع الواحد من ناحية، وبين القطاعات الأخرى والمناطق الطبيّة من ناحية ثانية. الاعتراف بوجود تحديات من جانب وزارة الصحة لا شك أنه يعد توجّهاً مهماً، لأن أولى الخطوات في معالجة المشكلات التي تؤثر في مستوى الرعاية الصحية المقدّمة إلى أفراد المجتمع، هي تحديد مظاهر الخلل وأوجه القصور التي تحول دون الارتقاء بهذه الرّعاية، ومن ثم كيفية التعامل معها، وإيجاد الحلول الواقعيّة لها. صحيح أن الوزارة وضعت ضمن خطتها الاستراتيجيّة للأعوام الثلاثة المقبلة تلافي تلك المشكلات ومختلف الجوانب السلبيّة، التي شابت العمل على مدار السنوات الطويلة الماضية، ووضعت الكثير من الحلول اللازمة للتعامل معها، إلا أن نجاحها في ذلك يتطلّب أن تعالجها من منظور شامل يأخذ في الاعتبار مختلف الأبعاد المختلفة للواقع الصحيّ الراهن، سواء تعلق ذلك بالجانب البشري والفني، الذي يعدّ التحدي المركزي الذي يواجه سياسة الوزارة في التطوير، في ظل النقص الواضح في أعداد الأطباء والممرضين واتجاه كثير منهم إلى دول تقدّم إليهم كثيراً من المزايا والتسهيلات، أو تعلّق بتحقيق التكامل بين سياسات الوزارة، نتيجة لغياب التنسيق والترابط بين الوزارة وكثير من المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لها، أو تعلّق الأمر بالتصدي لبعض الثغرات التي تحول دون التوظيف الكامل للموارد الصحية المتاحة، والاستفادة منها بالشكل الأمثل، خاصّة في قطاع الضمان والتأمين الصحي الذي يستنزف جانباً مهماً من مخصصات الوزارة كان يمكن توجيهه إلى أغراض تطوير القطاع الصحي في مجالات أخرى. إن التحرك الجادّ والسريع من جانب الوزارة لمعالجة التحديات التي تواجه القطاع الصحي في الأعوام القليلة المقبلة، والارتقاء بمستوى الخدمات الصحية المقدّمة لأفراد المجتمع، يعكس بوضوح الاهتمام الذي توليه الدولة إلى هذا القطاع الحيويّ، الذي يحتل أهمية خاصة في البرامج التنموية الوطنية بصفته يتعلق بالعنصر البشري الذي يعدّ أغلى الموارد الوطنية، والعنصر الفاعل في صياغة برامج التنمية وتطبيقها. وعلى هذا يمكن القول إن وجود قطاع صحيّ فاعل، وما يرتبط به من رعاية صحية متقدّمة، هو أحد أوجه التنمية التي تشهدها الدولة في مختلف المجالات، وتعمل على تطويرها بشكل مستمر. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية