سنكتب عما حدث في تونس أكثر من مرة، لأن الحدث جدير بالكتابة ولأن التداعيات أجدر! إذ على رغم رحيل الرئيس السابق بن علي -الذي نترك لشعبه وللتاريخ أمر مساءلته- إلا أننا نتخوف من بعض التداعيات التي قد "تخطف" ثورة الياسمين على رغم أنها رويت من روح ودماء (البوعزيزي) والعشرات ممن قضوا على طريق الحرية. ومن التخوفات والأشواك في طريق ثورة الياسمين التي تخامر الشارع العربي والمراقبين الدوليين أن استمرار رجال الحكم القديم أمر لا يبعث على الاطمئنان! والشارع التونسي والمقابلات التي تحفل بها الفضائيات لرموز تونسية مخلصة تؤكد عدم الحاجة للرموز السابقة التي تلطخت أياديها بمعاناة تونس والتونسيين. ذلك أن هؤلاء ما عادوا يصلحون للمرحلة القادمة التي لا تعتمد الفساد واستخدام السلطة في غير مكانها. ومن التخوفات أيضاً أن كل ما حدث يمكن اعتباره "تمثيلية" أُحسن إخراجها، وتم زج الشعب فيها، بينما سيظهر المخرج القوي الذي سيقود البلاد حسبما تقتضيه الظروف والاتجاهات السياسية! ومن التخوفات كذلك تردد الغرب وأميركا في إبداء مواقف واضحة وصريحة تجاه ما حدث في تونس، وعدم قبول فرنسا حلول بن علي الهارب من بلاده في أراضيها وعدم إعلان موقف واضح لدعم الثورة. وهي فرنسا التي تعتبر نفسها مفجرة الثورات ومعقل الدفاع عن الحريات! وقد أخذت عليها مؤسسات المجتمع المدني ترددها في دعم ثورة الياسمين. بل إن مسؤولين فرنسيين سابقين انتقدوا موقف بلادهم والحكومات الفرنسية المتعاقبة التي ساندت نظام تونس -الذي وصفوه بالديكتاتوري- كما ورد على لسان "جاك لانكساد" الأدميرال المتقاعد ورئيس الأركان السابق والسفير الفرنسي الأسبق في تونس، الذي أضاف: "إننا لم نفعل شيئاً، واستمررنا في تقديم الدعم لهذا النظام من أجل المصالح الاقتصادية، لأننا اعتقدنا أن بن علي اضطلع بدور في محاربة الإسلاميين". ولربما كان هذا "عذر" العديد من الدول الغربية وأميركا خاصة في دعم أنظمة تريدها الصف الأول للحيلولة دون تحرك الجماعات الإرهابية في العالم. وهذا حق يراد به باطل. وتكرر ذات المشهد في مقابلة بإحدى القنوات مع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط الذي وصف الموقف الأميركي بأنه "تعبير عن القلق، وأن الشعب التونسي يجب أن يعامل باحترام، وأن يسمح لمؤسسات المجتمع المدني بالعمل وإقامة الأحزاب". وعندما واجهه المذيع عن الموقف الأميركي من استقلال الجمهوريات السوفييتية ودعم واشنطن لها، قال المسؤول الأميركي: "ما حدث في تونس أمر فريد، كل بلد له تقاليده ومقاربته للخطر، النظام لم يتجاوب فذهبوا للشارع، تحدياتهم مشتركة! كيف نسمح للشباب بأن يشارك في الحكومة؟ كيف تتحرر الصحافة؟ لقد أشارت وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) إلى هذه المسألة في الدوحة حيث حثت الحكومات في المنطقة على تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وأنه يجب أن يدرك حكام المنطقة أن المجتمع المدني والقطاع الخاص ينبغي أن يشاركا في وضع الحلول للمشاكل التي يواجهونها". إننا نعتقد أن على الولايات المتحدة والغرب معاً أن يعيدا النظر في مسألة استخدام بعض دول المنطقة العربية كجدار أمان ضد الإرهاب، في الوقت الذي قد يدعمان فيه أنظمة تمارس الإرهاب ضد شعوبها! ولابد من أن تكون النظرة شاملة لا منحازة أو انتقائية. والمثير في قضية ثورة الياسمين أن الإسلاميين لم يطلوا برأسهم فيما حدث! ولم يسمع لهم صوت في معركة التحول وسقوط بن علي! وهذا أمر لاشك يبعث على التساؤل: هل انكفأ الإسلاميون في تونس على أنفسهم ونأوا بذواتهم انتظاراً لما ستؤول إليه الأمور؛ تمهيداً لخوض الانتخابات الحرة بعد أقل من شهرين؟! أهو إجراء تكتيكي مرحلي أم استراتيجية قد تكون لها أبعادها المستقبلية؟! وإذا كانت الثورة قد بدأت من أحياء الفقراء واعتمدت على وقود العوز والبطالة ومظاهر الفساد في حكم بن علي فهل يكفي هذا الوقود لاستمرار اشتعال الثورة.. وإلى متى؟! خصوصاً بعد تزايد أعداد القتلى وتدمير المنشآت وأعمال النهب التي تسود البلاد؟ بطبيعة الحال إن البلاد منهوبة منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكن موقف سويسرا قد يطمئن الشعب التونسي بأن أمواله قد تعود إليه، بعد إعلانها أنها ستتحفظ على أموال بن علي وعائلته. والتخوف الآخر أن يستمر الجيش في إدارة شؤون البلاد ويقمع النشاط المدني التونسي؛ وتشل حركة المؤسسات المدنية والحقوقية، وهذا قد يعيد البلاد إلى المربع الأول! ولا نعلم إن حصل ذلك، متى سيزول الحكم العسكري؟! إن إطلاق سراح السجناء وإلغاء وزارة الاتصال (الإعلام) والإجراءات المدنية الأخرى بلاشك ستساهم في عودة الأمور إلى نصابها، ولكن لفترة ليست بالقليلة، ستشهد البلاد توترات خصوصاً في ظل تغلغل الحزب الحاكم وتهميش الأحزاب والجمعيات والنقابات الأخرى عن دائرة القرار. كما سيلعب الموقف الأميركي من الثورة دوراً في تهدئة الأمور أو استمرار هيجانها. ومن التخوفات الأكثر إثارة: هل سيتم تقديم بن علي لمحاكمة دولية، على غرار سابقيه ممن ارتكبوا جرائم بحق الشعوب؟! وقد طلبت الحكومة التونسية إعادة بن علي لمحاكمته، وأصدرت بذلك مذكرة اعتقال دولية نظراً إلى قضايا فساد تضرر بها من زجوا في السجون، أو من عانوا نار الغربة نتيجة آرائهم وأفكارهم! وهؤلاء مواطنون لهم حقوق يجب أن يحصلوا عليها، ودولة القانون يجب أن تحاكم كل من سلبهم حقوقهم. وعلى غرار نظرية "اجتثاث البعث من العراق" فإن بعض التونسيين يطالبون بحل الحزب الحاكم "لأن بقاء وزراء من الحزب -كما قال أحد المواطنين- يظهر أن نظام بن علي ما زال قائماً". وكان قصر الأليزيه قد صرح بأنه يشتبه -حسب صحيفة لوموند الفرنسية- بأن عائلة بن علي قد هربت من تونس ومعها طن ونصف الطن من الذهب! فيما نفى البنك المركزي التونسي -الاثنين الماضي- ذلك الادعاء. وبطبيعة الحال، بعد سقوط الديكتاتوريات، تظهر الفضائح واللواعج التي احتبست طويلاً في الصدور! المهم أن التخوفات كثيرة، وقلوبنا مع إخواننا التونسيين، وأن عليهم أن يتحدوا ولا يدعوا الفرصة للمدعين والمنحرفين والمتشددين ليسرقوا ثورتهم.