على ضوء ما يجري من أحداث، العالم العربي طرف رئيسي فيها، تجول حول هذا العالم تساؤلات جمة، وخاصة عندما تنفلت السهام من نبالها وبصورة عشوائية قد تصيب المعني وغيره. ما يحدث اليوم في لبنان والعراق والصومال واليمن وتونس ومصر، بحاجة إلى وضع إجابة شفافة على موضوع الأمن، ترى المجتمعات التي تعاني من عدم الاستقرار في أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية بحاجة إلى أي نوع من الأمن. أمن النظام أو شعب آمن، أي بمعنى أنه لا يخشى من النظام إذا ما دخل إلى سربه ومعه طعامه وشرابه ووظيفته. الأنظمة الأمنية في العالم العربي أنفقت مليارات الدولارات طوال العقود الماضية، ومع ذلك أدت إلى نتائج ليست لصالح النظام وأمنه. لأن المال الوفير عامل من عدة عوامل لم يكن للمال ذاته دور واضح في رفع المعاناة عن كاهل الشعوب التي وصل للبعض منها أن يضحي بكرامته من أجل لقمة عيش لم تغنه ولا تسمنه، ففضل البعض التضحية بها من أجل الحصول على ما هو أكبر منها، الأمن والأمان والاستقرار حتى لو أهدر في سبيل ذلك الكثير من الدماء الغالية. في ظل تلك الأنظمة غير المأمونة، لم تتحول نظرية الحفاظ على أمن الوطن والمواطن إلى مؤسسة مدنية، تراعي في الناس أعز ما يملكون وهو الإنسانية الكريمة وخاصة إذا ما تولى أمر تلك المؤسسات عقليات لا تؤمن إلا بالنار والحديد وكأن الكون ليس فيه غير هذين العنصرين. ونضرب بذلك مثلاً دولة مثل بلجيكا التي ظلت لقرابة ثمانية أشهر بلا حكومة تدير شؤونها أي بلا رأس بعد أن أخفقت الانتخابات الرئاسية عن إنتاج رأس رئاسي وليس نوويّاً لإدارة شؤون الدولة في كافة مفاصلها الحيوية، ولم تتفق كذلك الأحزاب المتصارعة على اختيار يحسم شأن هذا الرأس المهم بكل المقاييس السياسية المعروفة. ولكن الشعب البلجيكي بمختلف أحزابه لم يطق صبراً أكثر من ذلك، فخرج في مظاهرات سلمية تطالب بضرورة الإسراع في تحديد رئيس يحكم ويدير البلاد، حتى لا يتم تصنيفهم ضمن حكومات العالم الثالث. وخلال الثمانية شهور الماضية من عمر عدمية الحكومة في بلجيكا لم يقم أحد بنهب متجر ما أو قتل ضابط في الشارع العام أثناء تلك المظاهرات الحاشدة، ولم تقم حكومة تسيير أعمال بإطلاق رصاصات حية وطائشة لقتل الشعب، بل إن الرقي السياسي والرشد والوعي قامت باحتواء كل ذلك دون أن تراق دمعة واحدة على الطرقات فضلاً عن الدماء المصونة. إن حالة الغليان في العالم العربي بحاجة إلى الكثير من التمحيص والتدقيق وخاصة عندما نشاهد حال بعض الأنظمة وهي تتراجع أمام منتقديها. فالنظام الآمن على الشعب ومقدراته هو الذي يواصل طريقه إلى غايته حتى لو غاب الرأس الأوحد لفترة محددة، فالنظام الذي يكون الشعب هو درعه وسياجه هو الذي يقف أمام كل التيارات التي تحاول أن تسرق انتصارات الشعوب في معركة الحياة.