مثلت دعوة الرئيس الأميركي أوباما في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد إلى "لحظة سبوتنيك"، نداء إيقاظ دراماتيكيا لأميركا. والرئيس مطالب الآن بتوسيع نطاق رسالته وتحويلها إلى دعوة للعمل يوجهها إلى جميع الدول في الأميركيتين. ففي خطابه بتاريخ 25 يناير، قال أوباما إن أميركا تتأخر حالياً عن الدول الأخرى في مجال التعليم، والعلوم، والتقنية والابتكار، وأنها بحاجة إلى استثمار مزيد من الأموال في برامج العلوم والتقنية، مثلما فعلت في خمسينيات القرن الماضي، وذلك بعد أن نجح الاتحاد السوفييتي عام 1957 في إرسال القمر الاصطناعي "سبوتنيك" إلى الفضاء، وهو القمر الذي ينسب إليه ما بات يعرف في الأدبيات السياسية بـ"لحظة سبوتنيك"، أي اللحظة التي تمثل نداء إيقاظ يدفع الآخرين -أميركا في هذه الحالة- إلى ضرورة العمل الفوري. فبعد أن أرسل الاتحاد السوفييتي ذلك القمر إلى الفضاء، بدأت أميركا على الفور برنامجها الفضائي الذي قاد في نهاية المطاف إلى إرسال أول مركبة تحمل رائد فضاء إلى القمر. وقال أوباما: "لقد تغير العالم... فالصين والهند أدركتا أنه بإدخال بعض التغييرات على مسارهما، تستطيعان المنافسة في العالم الجديد. لذلك بدأتا تعليم أطفالهما في فترة أبكر من حياتهم ولسنوات أطول، مع تركيز خاص على الرياضيات والعلوم... وإلى ذلك فالدولتان تستثمران أموالا طائلة في مجالي البحوث والتقنيات الجديدة". وأضاف أوباما: "في الفترة الأخيرة أصبحت الصين مقراً لواحدة من أكبر منشآت توليد الطاقة الشمسية في العالم، وأصبحت تمتلك أسرع جهاز كمبيوتر على وجه الأرض". وقال إنه "لكي ننجح في هذه البيئة، فنحن بحاجة للتفوق على باقي دول العالم في مجالات الابتكار والاختراع، والتعليم، وبناء المنشآت المتطورة". لقد كانت تلك الدعوة هي محور خطاب أوباما عن حالة الاتحاد، والذي يعتبر من أهم الخطب التي يلقيها الرئيس الأميركي سنوياً، وينتظره العالم بأسره. وبالإضافة لذلك، تضمن الخطاب اقتراحاً جسوراً من جانب الرئيس، يتعلق بإجراء زيادة جذرية لاستثمارات الولايات المتحدة في التعليم، والتقنية، والبحث العلمي، مع تخفيض البنود الأخرى في الميزانية السنوية من أجل تقليص العجز الهائل فيها. وطلب أوباما من الكونجرس تمويل تدريب 100 ألف مدرس أميركي جديد، متخصصين في الرياضيات، والعلوم، والتقنية، وتخصيص استثمارات ضخمة في مجال الطب الحيوي، وتقنية المعلومات، وتقنية الطاقة النظيفة. خطاب أوباما بحاجة إلى قراءة متأنية ودقيقة في أميركا اللاتينية. ففي تلك القارة، ورغم دورة النمو الاقتصادي القوي الذي شهدته معظم دولها خلال السنوات الثماني الماضية، فإن تلك الدول لا تزال متخلفة عن الكثير من دول العالم الأخرى في مجالي التعليم والابتكار. ولكي ندرك أبعاد الوضع علينا النظر إلى ما يلي: في التقارير التي نشرتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" عن الدرجات التي حصل عليها الطلاب في سن الخامسة عشرة في مواد الرياضيات، والعلوم، ودرجة فهم المادة المقروءة، كان الترتيب كما يلي: مدينة شنغهاي في الصين (حيث يسمح للدول والمدن على حد سواء بالمشاركة في تلك الاختبارات)، وسنغافورة، وفنلندا (المراكز الثلاثة الأولى)، بينما احتلت الولايات المتحدة المرتبة السابعة عشرة، وإسبانيا المرتبة الثالثة والثلاثين، وتشيلي الرابعة والأربعين، وأوروجواي السابعة والأربعين، والمكسيك الثامنة والأربعين، وكولومبيا الثانية والخمسين، والبرازيل الثامنة والخمسين، وبيرو الثالثة والستين. لا تزيد نسبة الاستثمارات في البحوث والتطوير في كافة دول أميركا اللاتينية عن 2 في المـئة من أجمالي هذه الاستثمارات في العالم، بينما تبلغ هذه النسبة في الولايات المتحدة وكندا 36 في المئة، وفي أوروبا 32 في المئة، وفي آسيا 27 في المئة... وفقاً لمؤشرات"إبيرو- أميركان نتورك أوف ساينس". ولا يزيد عدد براءات الاختراع المسجلة لدى دول أميركا اللاتينية الاثنتين والثلاثين، بما في ذلك البرازيل والمكسيك، عن 3 في المئة من براءات الاختراع المسجلة في دولة آسيوية واحدة، هي كوريا الجنوبية، وذلك وفقا لما أعلنه "مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية" الأميركي. في عام 2009 وحده سجلت كوريا الجنوبية 8800 براءة اختراع، بينما لم تسجل البرازيل سوى 103 والمكسيك 60، والأرجنتين 45. ليست هناك جامعة واحدة في أميركا اللاتينية مسجلة على قائمة أفضل 100 جامعة في العالم، رغم أن البرازيل والمكسيك تأتيان ضمن أكبر 12 اقتصاداً في العالم. وتعد الإجازات والعطلات الدراسية في أميركا اللاتينية هي الأطول على مستوى العالم: ففي حين يبلغ العام الدراسي 243 يوماً في اليابان، و220 يوماً في كوريا الجنوبية، فأنه لا يزيد عن 200 يوم في المكسيك، و190 يوما في الارجنتين. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الإجازات الطارئة وإضرابات المدرسين، فسنجد أن متوسط أيام العام الدراسي في قارة أميركا اللاتينية لا يزيد عن 160 يوماً. نخلص من ذلك إلى أنه إذا ما أرادت أميركا اللاتينية أن تقلص نسبة الفقر لديها بمعدلات أسرع من المعدلات الحالية، فإنها تحتاج إلى "لحظة سبوتنيك" أميركية لاتينية كي توقظها من عقود طويلة من اللامبالاة وتدني مستويات التعليم. إن التعليم، والعلوم، والتقنية، والابتكار لا يجب أن تمثل هاجساً أميركيا فحسب، وإنما يجب أن تتحول إلى قضية مشتركة، تهتم بها كافة دول أميركا اللاتينية. اندريه أوبنهايمر كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة"إم. سي. تي إنترناشيونال"