الأمة العربية تمر بمخاض صعب، وما يحدث هو مرحلة مرت بها الدول التي شهدت أعلى مستويات التنمية والرفاهة في العالم. كثيرة هي الأمم التي لو قرأنا تاريخها لرأينا تطابقاً بينها وبين الأمة العربية في الوقت الراهن. وهناك قواسم مشتركة بيننا لأننا بشر، فماذا جرى في تلك الأمم بإمكاننا أن نطبقه في العالم العربي، ولسنا بحاجة إلى ذلك المخاض الدموي الذي تمر به بعض الدول العربية. من يقرأ تاريخ أمم مثل أوروبا واليابان، وحتى الولايات المتحدة، نجد أن تلك الأمم مرت بحكومات قريبة جداً إلى بعض حكومات العرب اليوم. والقواسم المشتركة بينهم تتمثل في وجود قائد مطلق الحرية في التصرف في البلاد والعباد، وأخضع الشعب بالترهيب والتخويف والسجون في كثير من الأوقات، وحوله بعض الحريصين على مصالحهم الشخصية أكثر من ولائهم لأوطانهم وحبهم لشعبهم، وكانت النتيجة أن هلكت البلاد والعباد. بعد تلك التجارب التي مرت بالأمم من خارج الدول العربية عمدت تلك الدول إلى أمور لعلنا نلخصها في قاعدة أن نقول للظالم يا ظالم، فقوانين تلك الدول سواء في أوروبا وأميركا، وحتى اليابان تركز أولًا على تحديد صلاحيات القائد، فلم تعد له الصلاحيات المطلقة، ولم يوجد كي يخلد في كرسية لأن ما يخلد به الإنسان على كوكب الأرض، هو أعماله التي يبقى مذكوراً بها، فكل دول العالم التي تشهد تنمية اليوم توجد بها حكومات لها صلاحيات واضحة ومحددة، ولها فترة زمنية للبقاء لإنجاز ما وعدت به، أو يقال لها افسحي المجال لغيرك. وفي التاريخ القريب عندما أراد زعيم أميركا السابق أن يقود البلاد من حرب إلى أخرى تحت شعار الحرب على الإرهاب وفشل في تنمية مجتمعه قال له الناخب الأميركي بكل بساطة وداعاً وأتى برجل لم يكن على البال لكنه أقنع الشعب بخطته. وعلى المستوى الفردي، نجد أن أحد زعماء أميركا اعتقد أنه فوق القانون في موضوع التحرش الجنسي بإحدى الموظفات، فما كان منها إلا أن هتفت بأعلى صوتها عبر الإعلام الحر والقانون الواضح، فلم تقتل ولم ترهب. في تلك الشعوب هناك استقلالية واضحة للسلطات الثلاث المشهورة في العالم، فالرئيس له السلطة التنفيذية وله صلاحيات مدة زمنية محددة، وهناك السلطة التشريعية التي تراقب وتوجه، وتقول لا لأنها تمثل القوة الأعظم في الدول ألا وهي الشعب. وهناك القضاء المستقل ومع تلك السلطات هناك الإعلام الذي جعل الصدق رسالته، فهو لا يطبل ولا يزمر كي يخدر الناس، بل هو مراقب عن بعد وفاضح لكل زيف. وهنا يضحك العقلاء من إعلام بعض الدول العربية، الذي ما زال يستخف بعقول البشر فالصورة تقول غير الخطاب. وتفضح القنوات الأجنبية من أخطأ وتبين من أصاب، وبالرغم من ادعاء بعض القنوات الإخبارية العربية المهنية والموضوعية في نقل الأحداث الأخيرة فإنها فضحت نفسها.