تمرُّ بالعالم العربي حالياً حالة مفتوحة من التغيير، بعد عقود من المراوحة بل الجمود، ولقد اتضح أن هذا العالم بقدر ما هو بهذه الحاجة الماسة للتغيير، فإنه يواجه قوى عاتية تحول دون تحقيق ذلك، ولقد راح هذا الوضع يُنتج حالة من الأسى والشعور بالغبن في نفوس كتل كبرى من سكانه نظراً لإخفاق دعاة الإصلاح والتغيير في تحقيق حدود مركزية وحيوية ملحوظة، مما يقدمونه في برامجهم ومشاريعهم، التي يقترحونها. ونذكر أن مؤتمراً للإصلاح والتغيير انعقد بالقاهرة قبل بضع سنوات، شاركتُ فيه مجموعة من المفكرين والباحثين والمثقفين من جُلِّ العالم العربي، ومنذ ذلك الحين، ظهر الشرخ عميقاً بين ما قدمه المشاركون من مناقشات واقتراحات ومطالب من طرف، وبين ردود الفعل التي أطلقها مسؤولون في بلدان عربية تتلخص في المراوغة على ذلك وفي محاولة اللعب عليه من طرف آخر. وفي سياق المتابعة لمسار هذه العملية، ازدادت انتهاكات حقوق الإنسان في النشاط السياسي والتعبير الحر عن قضايا المجتمع، الممثَّلة خصوصاً في انتشار الفساد في كل المواقع، دون أن يرعوي المسؤولون هنا وهناك من الوطن العربي. إضافة إلى تعاظم البطالة في صفوف المجتمعات العربية، خصوصاً في أوساط الشباب، ومع اتساع مُرعب للإتجار بالمخدرات، خصوصاً في النظم الأمنية ذات الحزب الواحد، حيث لا قانون ولا دستور ولا مساءلة. وقد يسعى بعض الباحثين إلى ضبط الحُطام الهائل الذي يخترق خريطة العالم العربي بوتائر متصاعدة، وخصوصاً في تلك الأقطار ذات البعد الواحد، يلاحظ أن ثمة أمرين اثنين يمثلان أعظم المهمات، التي تواجه الحركة السياسية والشبابية العامة والخاصة. أما أولهما فيتمثل في الحقل السياسي الاستراتيجي، ويقوم على إنجاز مجموعة من الخطوات الحاسمة في مقدمتها إسقاط قانون الطوارئ والأحكام العرفية، والتأسيس لحياة سياسية وحزبية تقوم على التعددية والإقرار غير المشروط بقاعدة التداول السلمي للسلطة، جنباً إلى جنب مع البدء في التنظيم لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، إضافة إلى انتخابات تخص المؤسسات النقابية وكل المتصلة بالمجتمع المدني. أما الأمر الثاني، فيقوم على مواجهة التصدع، الذي أصاب البنية التحتية في البلد العربي المعْني، وأطاح بإمكانات مواجهة البطالة المفزعة، بحيث إن دراسات كثيرة تشير إلى نسبة عظمى خصوصاً في أوساط الشباب باتت تعيش في وطأة العوز والفقر والإفقار. أخيراً وليس آخراً، يُلاحظ تفكك منظومات القيم الأخلاقية بوتائر هائلة في الحقل النسائي، الذي يعيش في ما بعد الحد الأدنى من العيش، يداً بيد مع تصدع العرى الأسرية - العائلية والمجتمعية العامة. إن وضعاً مثل هذا الذي ضبطْنا بعض حيثياته لا يحسبنّ أحد أنه قابل للبقاء والاستمرار، فهو يستفز الجميع هكذا وهكذا. ومن ثم، فإن انتفاضتيْ بل ثورتي تونس ومصر أتيتا بكل الشرعية السياسية والأخلاقية. وهما -من ثم- قد تكونان فتحاً جديداً في الشارع العربي، تكمن مهمته في الإطاحة بعالم الفساد والإفساد والإجرام، بكل أنماطه. ومن طرف آخر يتحدد ذلك في التأسيس لمجتمعات عربية تحقق الثالوث الأكبر المتمثل بالحرية والكرامة والكفاية المادية، وذلك بحيث يحمي ذلك ويرعاه عقد اجتماعي عربي جديد، يعيد للبشر إنسانيتهم، ويأتي تطبيقه محترِماً لخصوصية كل قطر وذاتيته.