كيف نفسر ما حدث ويحدث في مصر؟ الحيرة هي سيد الموقف، ومن يدعي امتلاك إجابة قاطعة فهو يخادع نفسه قبل مخادعة الآخرين. لكن دعونا نستوعب الأحداث وخطوط التقاطع في المشهد المصري. الملاحِظُ من الخارج يعتقد بأن الحدث هو احتجاج ضد الاستبداد ومن ثم يجد نفسه ينساق وراء الدفاع عن من يرفع شعار الحقوق والحريات العامة الضائعة، دون اكتراث بانعكاسات فعله على الواقع المصري. لكن تنبغي دراسة الحدث المصري بعناية للتوقف عند تداعياته. فمن الواضح أن مبارك وقع ضحية لمؤامرة كبيرة تتداخل خيوطها بين الداخل والخارج، فـ"الحزب الوطني" وقيادته دبّرت الانتخابات الأخيرة وأوهمت الرئيس بسلامة تدبيرها، بينما الانتخابات كانت علامة على سقوط كبير للحزب. وقد حوصر مبارك بنصائح الفساد، وهذا خطر مشترك لكثير من أنظمة الحكم. وقد لعبت التقنية الإعلامية الحديثة دوراً في تزوير الحقائق، فهي وسيلة لتركيب الَمشاهد وإخراجها لإيهام الناس بحقائق مزيفة. والخطر الكبير هو عدم التحوط لتداعيات فعل من ذلك النوع. لكن دولاً عربية قليلة عوضتنا عن الصمت العربي، وكنا نتمنى من بقية الدول العربية إعلان موقفها إزاء تشابك الخيوط وحقيقة دخول بعض الأطراف الإقليمية على الخط، ولماذا الإعلان في الوقت الحالي تحديداً عن قيام صحوة إسلامية في مصر، وهو مصطلح يستخدمه "الإخوان المسلمون" والحركات الإسلامية السنية، هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار صمت "حماس" كلياً و"حزب الله" جزئياً لكي نفهم طبيعة المعادلة. لا نود الابتعاد عن بعض التباينات الخليجية، لما لها من تأثير مباشر أو غير مباشر على ما يجري في مصر. دول مجلس التعاون لا يجب أن تبقى صامته بل عليها أن تفتح الملف بكل شفافية مع حلفائها الذين تدور حولهم خيوط اللعبة. وفي هذا الخصوص فإن الدفاع ليس عن مبارك وإنما عن مصر، الدولة العربية المحورية، فسقوطها ضحية لمؤامرة هو بمثابة تهديد للأمن الوطني لدولنا العربية على العموم والخليجية على الخصوص. فمصر تعاني من مشكلات عديدة، وكان على نظام الحكم فيها أن يعي خطورة تجاهل الشارع من جانب، وخطورة تفشي الفساد بين من هم في السلطة من جانب آخر. وهذا المشهد يتكرر في كثير من بلادنا العربية، ولعل المشهد المصري يجعلها تستشعر خطورة الانسياق وراء النصائح الفاسدة. يقول شاب مصري التقيته خلال فترة الثوران، إننا فقدنا الثقة بكل شيء، وهم من أوصلونا لهذه المرحلة. لذلك فإن تجاهل شريحة الشباب هو أكبر المصائب. ولعلي هنا أشير إلى المشهد الكويتي أيضاً حيث تغير التكوين الاجتماعي وأصبحت لدينا شريحة من العائلات تريد ممارسة الاحتكار وترفض الاعتراف بتغير الواقع الاجتماعي، وخصوصاً بروز القوى الاجتماعية الجديدة التي ترى بأنها مهمشة ومعزولة اجتماعيا واقتصاديا. فهذه القوى عندما يتراكم شعورها بالتهميش قد لا تجد أمامها سوى الخروج من خيمة الرابطة الوطنية واللجوء إلى الولاءات الفرعية، ومن ثم تعريض البلاد لانقسامات تؤثر على أمنها السياسي والاجتماعي.