ما حدث في تونس ومصر يمكن أن يقفز كالحريق إلى أماكن عديدة في العالم العربي، بسبب تشابه الظروف والأحوال والاهتمامات، وذلك وفقاً لمجلة "دير شبيجل" الألمانية. لكن التأثير قد يختلف، والنتيجة قد تتباين، لاسيما في ضوء قانون السبب والنتيجة، والمرسل والمستقبل؛ فحين نعرِّض أربع مواد للحرارة، هي الماء والشمع والحليب والبارود، تختلف النتائج؛ بين تبخر الماء، وذوبان الشمع، وفوران الحليب، وانفجار البارود. كل ذلك يعود لطبيعة المجتمع واستقباله للمؤثرات. ومن غفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل! ما حصل في تونس ومصر قد يتكرر بأسلوب آخر في بلدان أخرى وقد لا يتكرر. وكما رأينا في العراق؛ فرغم إعدام صدام فإن ألف آخر نبت من لحمه. والشعب المصري بمستواه الثقافي يتفوق بـ150 عاماً على دول عربية أخرى لم تنتقل بعد إلى مرحلة النقابات والأحزاب والحريات العامة وحضور المرأة. وطبيعة المجتمع المصري متجانسة بسبب الجغرافيا، حيث لا يمكن للناس العيش إلا بجنب النيل. ومعظم الدعوات التي ظهرت في سوريا إنما خرجت في الأصل من مصر وصدّرتها، فجاءت إلى سوريا لتحيا في جبال شاهقات ولتعيش بقوة العزلة لحين الامتزاج التكنولوجي. فعلينا إذن فهم تاريخية المذاهب والنحل والملل وأثر الجغرافيا على الأفكار. وكما قال مالك بن نبي فإن الحضارة لا تهبط على الناس، واستيرادها غير بنائها. ومؤشر القبض على ناصية الحضارة ثلاث كلمات: الإبداع والصيانة والتدوير... في جدلية ثلاثية مستمرة. فليسأل كل مجتمع عن حصته من هذه الثلاثية؛ وهل بنى الإنسان الذي تنهض الحضارة بعقله وعلى كتفيه وبساعديه؟ لذلك فإن حضور المرأة في مظاهرات تونس، وهي تعتلي ظهر شاب كاشفة الشعر، غير واردة في بلدان عربية ربما من الآن وإلى قرن آخر أو قريباً منه. ينبغي إذن التفطن للفروق الاجتماعية بين الشعوب. وهناك عنصر آخر هو العامل الاقتصادي، فالدول التي تحظى بمستوى عال من الرخاء لا تتشابه هموم الناس فيها مع همومهم في دول أخرى تعاني من الفقر والبطالة. ومع ذلك فثمة مجموعة من أوجه الشبه لا يمكن نكرانها، بما في ذلك التشابه في طبيعة العديد من الأنظمة السياسية وفي كثير من السياسات العامة التي تنتهجها الدول. إلا أن بعض الأنظمة السياسية العربية تذكرني على نحو خاص بقصة فرانكنشتاين التي روتها البريطانية ماري شيلي لأول مرة عام 1806. تقول القصة إن طبيباً عثر على ثماني جثث مقطعة؛ فخطر له أن يستفيد منها كما لو أنها مجرد "خردة"، فأخذ فخذاً صالحة من جسم، وذراعاً جيدة من جسم ثانٍ، ورأساً من ثالث... وهكذا حتى اكتمل له جسد من ثماني جثث؛ فرقع وفتق ولحم ووصل، ثم أضاف لها الحوامض والمذيبات وصعقها بالكهرباء فقامت من الجثث الموات حياة لإنسان هو فرانكنشتاين الذي خنق الطبيب. والسبب أن هذا الأخير حاول تقليد الإله بالخلق والبعث، فمات مثل مريض الآكروميجالي. فليحذر الذين يريدون التغيير، وعليهم الانتباه جيداً إلى مصير الطبيب في قصة فرانكنشتاين! لقد حاولت سهير الأتاسي في دمشق وضع شمعة على أرواح من سقطوا في مصر، فنالها سب وصفع! فلنعرف أولا ما إذا كان بلد عربي ما قد بدأ رحلة التغيير أم لا، فالأسباب تأتي بنتائج متباينة كتباين الأحوال والظروف.