يبدأ "جوزيف ناي"، المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي والأستاذ بجامعة هارفارد، كتابه" مستقبل السلطة"، بمناقشة مفهوم" الحكومة العالمية"، فيقول إن تحقق تلك الحكومة في القرن الحادي والعشرين أمر غير وارد، وإن الاحتمال الأرجح هو أن نرى استمراراً لما يعرف بالحوكمة العالمية التي نرى منها درجات مختلفة على أرض الواقع حالياً. فالعالم يحفل الآن بمئات المعاهدات، والمؤسسات، والأنظمة الهادفة لضبط السلوك البين أممي الذي يشمل الاتصالات، والطيران المدني، والتجارة، وانتشار الأسلحة النووية. لكن هذه المؤسسات، كما يرى المؤلف، نادراً ما تكون مكتفية بذاتها، بل غالباً ما تكون بحاجة للقيادة التي توفرها القوى العظمى. وفي هذا السياق يورد المؤلف بعض الأسئلة: ما هي الكيفية التي سيتغير بها سلوك الصين والهند؟ هل ستتصرفان كقوتين عظميين؟ هل ستشكلان مع الولايات المتحدة قيادة لعالم ثلاثي القطبية في منتصف القرن؟ وفي إجابة يورد المؤلف آراء لبعض علماء المستقبليات، منها أن المؤسسات العالمية الحالية منفتحة انفتاحاً كافياً، ويمكن تكييفها بنيوياً لاستيعاب الصين، بطريقة تقنع هذه الأخيرة بأن تصبح ما وصفه "روبرت زويليك" ذات يوم بـ"المساهم المسؤول". ويرى البعض الآخر أن الصين والهند سوف تسعيان لفرض بصمتهما على نظام المؤسسات الدولية مع التزايد التدريجي لقوتهما. فيما يرى بعض آخر أن دول الاتحاد الأوروبي تبدي رغبة شديدة في تجربة خيار الحد من سيادة الدولة، وقد تدفع باتجاه مزيد من الابتكار المؤسسي، لكن من غير المرجح أن يشهد العالم "لحظة دستورية" كالتي شهدها مع إنشاء المنظومة المؤسسية للأمم المتحدة عام 1945. وبعد إنشائها، لعبت الأمم المتحدة كمؤسسة عالمية دوراً حيوياً في إضفاء الشرعية على السياسات والاتفاقيات، وفي مجال دبلوماسية الأزمات، وحفظ السلام، والمهام الإنسانية... غير أن حجمها الضخم حال بينها وبين أداء وظائف أخرى تعتبر من صلب مهامها. ومع ذلك تظل الأمم المتحدة، ورغم هذه القيود على عملها، ورغم أنها ليست مصممة منذ البداية لحل كل مشكلة من المشكلات العالمية، أهم منظمة عالمية في الوقت الحالي. والمعضلة التي تواجه المجتمع الدولي هي رغبته في ضم كافة الدول تحت جناحه، والاستمرار في العمل والإنجاز مع ذلك، رغم أن الحقيقة البدهية هي أنه كلما زاد العدد زاد العبء وثقلت الحركة وبات حل المشكلات أكثر صعوبة بما لا يقاس. ويقول الكاتب إنه ليس هناك حل لمواجهة هذا المشكل سوى خلق بنى فرعية وبنى موازية وتقسيم الموارد بينها. ولتوضيح ذلك يقول إنه فيما يتعلق بالشؤون المالية، جرى عام 1944 تكليف مؤتمر "بريتون وودز" بإنشاء صندوق النقد الدولي، الذي توسع حتى بات يشمل 186 دولة الآن. كما يشير إلى الاجتماع الذي عقدته فرنسا في مكتبة "شاتو دي رامبويه" لمناقشة الأمور المالية بعد أن قرر نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب في السبعينيات، قائلاً بأن مجموعة الدول التي حضرت ذلك الاجتماع ازدادت من حيث العدد والنطاق وأصبحت تضم دولاً مثل روسيا، كما ظهرت مجموعة "الثماني الكبرى" التي تعقد مؤتمراتها كلما تطلب الأمر ذلك لمناقشة الأجندات المالية، وقد برز في إطارها "مجلس الاستقرار المالي". ويخلص المؤلف للقول بأن تقسيم الأمم المتحدة إلى منظمات فرعية، ومنظمات موازية، هو الحل الأمثل، وأن الجهود الرامية لحل مشكلة عالمية كبرى مثل مشكلة التغير المناخي، لا تحقق نجاحاً ذا شأن إذا ما تمت مناقشتها على مستوى الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تضم جميع أعضاء المنظمة الدولية، بل قد تحقق نجاحاً أكبر عندما يتم توزيع موضوعاتها ومشكلاتها على منظمات وبنى بيروقراطية أكثر، وأصغر، تضطلع كل منها بحل المشكلة، أو جانب منها على الأقل. ومن تلك المنظمات الفرعية التي يمكن أن تضطلع بدور مهم في حل مشكلة المناخ؛ "منتدى الاقتصادات الكبرى" الذي يضم 12 دولة من الدول المسؤولة عن 80 في المئة من الانبعاثات الغازية في العالم. ويخلص المؤلف في نهاية كتابه للقول بأن الحوكمة العالمية سوف تعتمد على الشبكات الرسمية وغير الرسمية، وأن "المنظمات الشبكية" مثل "مجموعة الدول العشرين العظمى"، سوف تستخدم في وضع الأجندات، وبناء الإجماع وتنسيق السياسات، وتبادل المعلومات، وتأسيس الأعراف. وهو يستعير في سبيل التدليل على صحة طرحه ما قالته "آن ماري سلوتر"، مديرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، من أن "السلطة التي ستتدفق من هذا النوع من الاتصالية، ليست نوع السلطة التي تفرض النتائج والمحصلات،لأن الشبكات لا توجه ولا يُسيطر عليها بنفس الطريقة التي تدار وتنسق بها، وأن اللاعبين المتعددين في تلك الاتصالية، يجري إدماجهم في كلٍ واحدٍ أكبر من مجموع أجزائه". ويضيف المؤلف إن المجتمع الدولي كي يكون قادراً على التكيف مع تحديات المرحلة الانتقالية التي تميز عصر المعلومات العالمي، سوف يجد نفسه مضطراً للاستمرار في تطوير سلسلة من الشبكات والمؤسسات التكميلية التي تضاف للبنية العالمية للأمم المتحدة. أما إذا انقسمت الدول الكبرى، فمن غير المرجح أن تتمكن المنظمات الشبكية، مثل الدول العشرين العظمى، من وضع أجندة للأمم المتحدة وللمؤسسات المالية الناشئة عن اتفاقية بريتون وودز، أو التصرف بموجبها. سعيد كامل الكتاب: مستقبل السلطة المؤلف: جوزيف إس. ناي الناشر: بابليك آفيرز تاريخ النشر: 2