السلام الدائم والشامل، أغنية جميلة نزعت منها إسرائيل ألحان الطرب، فقد بدأت تلعب على الوتر "المرحلي" للسلام وذلك بمعنى الاتفاق على "الإطار العام" دون الدخول في تفاصيل مفردات السلام وتحرير الأرض من نير الاحتلال طويل المدى. هذه هي الأغنية الجديدة التي تروج لها إسرائيل في أستوديوهات العالم المتقدم في الوقت الذي يحاول فيه أهل القضية الأم نقل الملف برمته إلى مجلس الأمن لفرض الأمر الواقع ومن ثم الإعلان عن الدولة الفلسطينية من طرف واحد، وقد قامت إلى الآن خمس دول من أميركا اللاتينية بمباركة هذه الخطوة للدفع بالدولة المرتقبة ولو معنويّاً، وتسجيل نقطة فارقة في مسيرة السلام في الشرق الأوسط المرتبط بالسلام العالمي لأن واقع القضية اليوم يؤكد أنها لم تعد عربية وإسلامية أو إقليمية فحسب بل دولية أيضاً بكل المقاييس، لتواجد كل الأطراف المعنية فيها، وإن بصورة غير مباشرة لدى البعض. والقضية أيضاً أكبر من تناولها في إطار مقولة: "صراع وجود لا حدود"، فالتعامل السياسي يتجاوز أي شعار لا يمت إلى الواقع بصلة، لأن الحل أو البحث عنه لا ينبغي أن يخرج عن الإطار السياسي سواء عبر عملية السلام المتعثرة أو التي قاربت درجة التجمد إلا من خلال حراك التصريحات الخارجة والداخلة بين أطراف مشروع السلام الشامل والعادل. للوصول إلى أي اتفاق ولو سمي بـ"الإطار" استلزم الجلوس حول الطاولة وليس فوقها، فهكذا تفرض السياسة شروطها قبل أن يصر الطرف الإسرائيلي على شروط أقرب إلى الاستحالة. إسرائيل تعيد عقارب الساعة التي ضاعت منذ النكبة والنكسة إلى الأمام وتبحث عما يناسب طريقتها في التعامل مع مشروع السلام برمته، لا بمنظور كلي وإنما عبر تقديم الجزئيات على الكليات، وكل المطلوب من الطرف الفلسطيني الموافقة العمياء وهو ما لا يتناسب مع حجم القضية وموقعها على خريطة العالم، لأن منطق العمى لا ينطبق على من يقر بعدالة القضية منذ أمد بعيد. إسرائيل في حقيقة الأمر لا تراوح مكانها، بقدر ما هي تحفر لها وجوداً مفروضاً وعمقاً ملحوظاً بتغيير خريطة المكان الذي ستقام فيه الدولة الفلسطينية سواء عبر الاستيطان المستمر أو من خلال تغيير قوانينها السيادية لتخليص الدولة اليهودية من أي شائبة حتى لو وصمت بالعنصرية المقيتة. والملاحظ وسط هذه العتمة السياسية، أن الحراك الفلسطيني الرسمي هو باتجاه "اللاتين" وهو خطوة مقدرة، ولكن كسب الخطوط والخطوات الأخرى أيضاً مهم من أجل الحصول على ضمانات تشكل ضغطاً غير مباشر على السياسة الإسرائيلية التي لا تراعي من الأساس عرفاً ولا قانوناً فضلاً عن متطلبات المجاملات والبروتوكولات الدبلوماسية التي تساق في هذا الطريق الشائك. مع تجاهل إسرائيل كل ذلك، إلا أن هذا لا يعني أيضاً بالنسبة لأهل القضية الركون إلى ذلك بل العكس هو الصحيح، لأن إسرائيل ليست كل العالم ولا هي من يملك خيوط حراكها إلا من قبل الذين آمنوا ويؤمنون بالنظرية التآمرية التي إن تم الرضوخ لها فإن كثيراً من خطوات الحلول العملية سوف تفشل أو تتعطل كما هو حال المسار السلمي الآن. فالدفع نحو حل متفق عليه بين جميع الأطراف العربية منها والدولية، أفضل من هذا الجمود الذي بلغ درجة قد تحمل في طياتها مفاجآت غير متوقعة قد يصعب التحكم في آثارها.