مازال العالم يعاني تداعيات الأزمة المالية العالمية التي بدأت إرهاصاتها في عام 2007، وتفاقمت في العامين اللاحقين، وكان حجمها هو الأوسع والأعنف والأكثر تكلفة من بين كل الأزمات المالية الأخرى عبر التاريخ. ويمثل الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه "الأزمة المالية العالمية... الأسباب والتداعيات والحلول"، محاولة للإجابة على ثلاثة تساؤلات كبرى؛ أولها يدور حول الأسباب والآليات والخسائر والآثار المتعلقة بهذه الأزمة، وثانيها يتعلق بجذور الأزمة وأوجه التشابه والاختلاف بينها وبين الأزمات السابقة، أما الثالث والأخير فيخص الدروس والقضايا التي يجب استخلاصها لإصلاح النظام المالي العالمي. ومؤلف الكتاب هو الدكتور عبدالرزاق فارس الفارس، الأستاذ الزائر سابقاً في كل من ماساتشوسيتش للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأميركية، وجامعتي أوكسفورد ودندي بالمملكة المتحدة، والذي يشغل حالياً منصب المدير التنفيذي لوحدة السياسات والشؤون الاقتصادية في مجلس دبي الاقتصادي. ويذكر في مقدمة كتابه هذا أن فكرة تأليفه ولدت وتطورت خلال الجهود التي كان يبذلها مجلس دبي الاقتصادي لبلورة مقاربته الخاصة حول الأزمة. ويبدأ الكتاب بمحاولة تلمس بداية الأزمة وكيف نشأت وتطورت ثم انفجرت، قائلا إنه رغم كونها أزمة عالمية بكل المقاييس، فإن بذرتها الأولى كانت في الولايات المتحدة. فقد أدى توافر السيولة وانخفاض أسعار الفائدة إلى طفرة في سوق العقارات، وهذه شجعت المؤسسات التمويلية على منح القروض العقارية، فتوسعت سوق الأوراق المالية، لتقوم صناديق التحوط والتقاعد بشرائها. عندئذ هدأت سوق العقارات، ووجد المقترضون صعوبة في بيع العقارات التي اشتروها للمضاربة وفي دفع الفوائد المستحقة على قروضهم، فتدهورت قيمة الأوراق المالية، وبدأ الذعر ينتشر في الأسواق المالية حتى تلك البعيدة عن أسواق العقارات. ويستعرض الكتاب الآثار الاقتصادية للأزمة، والتي ما تزال تتابع فصولها، لكن تقديرات تكاليفها الأولية، تشير إلى أنها تعادل مرة وثلث المرة حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم مجتمعة. ثم يلقي الضوء على أهم السياسات الحكومية لمواجهة هذه الأزمة والتخفيف من آثارها. فقد تمثل رد فعل الدول المتقدمة، خلال المراحل الأولى للأزمة، في توفير السيولة للنظام المصرفي واللجوء إلى أدوات السياسة النقدية. لكن سرعان ما اتضحت محدودية أثر السياسات النقدية في مثل هذه الظروف، فاتجهت الدول الصناعية ودول الاقتصادات الناشئة لتعزيزها إلى حزمة جديدة من السياسات المالية تحفيزية لدعم الطلب الكلي، مستهدفة تخفيض الضرائب، والإنفاق على البنية الأساسية وشبكات الأمان الاجتماعي والإسكان والقطاعات الاستراتيجية، والانفاق على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. لكن زيادة الإنفاق العام رفعت عجز الموازنة العامة في هذه الدول، وكانت لها آثار على بقية المتغيرات الاقتصادية الكلية الأخرى. ويرى المؤلف أن الدولار أسهم بصورة أساسية في تحويل الأزمة من محلية إلى عالمية، لاسيما أن نظام بريتون وودز الذي يجعل من الدولار "العملة الرئيسية للعالم"، من شأنه إنتاج فقاعات مالية أو فقاعات في أسعار الأصول، وأنه نظام من شأنه توليد ظاهرة الانكماش في الأسعار والمبالغة في الاستثمار، وأن معظم دول العالم تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة وليس الاستيراد منها. وإذ تعد الأزمة الاقتصادية الحالية أزمة مالية بامتياز، فإن الكتاب يركز اهتمامه على حركة رأس المال العالمية، أي عولمة رأس المال، وعلى نظم الرقابة والإشراف على المال والأسواق الوطنية. لكنه يعود ليتتبع الأزمات المالية من منظور تاريخي، مثل أزمة 1890 في بريطانيا، وأزمة 1893 في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، والكساد العالمي (1929 -1933)، والأزمة المالية الآسيوية (1997 -1998)، والأزمة المالية في روسيا (1998)، والأزمة المالية المتواصلة في اليابان منذ بداية التسعينيات، وفقاعة أسهم التكنولوجيا في الولايات المتحدة (2000)، والأزمة المالية في المكسيك (1994- 1995)، والأزمة المالية في الأرجنتين (2001 -2002). ومن ذلك يخلص المؤلف إلى سببين وراء الأزمة المالية الحالية؛ أولهما النظام المالي العالمي الذي لا تريد الدول الصناعية الكبرى إحداث الإصلاحات الضرورية فيه، إذ قد يضر ذلك بمصالحها. وثانيهما هو الهوة بين النشاط الاقتصادي الحقيقي والنشاط المالي الافتراضي. محمد ولد المنى الكتاب: الأزمة المالية العالمية... الأسباب والتداعيات والحلول المؤلف: عبدالرزاق فارس الفارس الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2010