أذكر أنني بعد أن انهيت فترة تدريبي كطبيب مقيم في إحدى المستشفيات، واستلمت وظيفتي، تعرضت لضغط شديد في العمل، ولكن هذا الضغط، مع شدته، لم يرق لمستوى الضغط الذي كنت قد تعرضت له خلال فترتي التدريبية في المستشفيات. الذي ذكرني بذلك أن المجلس الأميركي للتعليم الطبي الجامعي قد نشر في الخريف الماضي تقريراً، ضمنه المعايير الجديدة المنظمة لعمل الأطباء الجدد في الولايات المتحدة الأميركية. وهي معايير تهدف في مجملها لتقليل عدد الأخطاء الطبية، وتحسين درجة السلامة والأمان للمرضى. وتلك المعايير الجديدة تعمل على منع بعض الممارسات السائدة في المجال الطبي ومنها إبقاء الطبيب مشغولاً لساعات متواصلة من دون نوم بسبب ضغوط العمل، أو بسبب عدم توافر العدد الكافي من الأطباء في منشأة طبية معينة، وهو ما يؤدي حتماً لإرهاق ذلك الطبيب، وفقدانه للتركيز، وبالتالي زيادة احتمال وقوعه في أخطاء طبية بعضها قد يكون خطيراً على حياة المريض. والقانون الجديد يقلص عدد ساعات العمل المتصل من 30 ساعة حاليًا إلى 18ساعة وفقا للمعايير الجديدة، مع القيام في الوقت نفسه بتخفيض عدد ساعات الوردية لتصبح 30 ساعة فقط (ينال الطبيب المناوب راحة بعدها). هذه التعديلات الجديدة جيدة في حد ذاتها، وتهدف لتحقيق صالح الطبيب والمريض في الآن ذاته. ولكنها مثيرة للجدل مع ذلك. فالمنتقدون لتلك الإجراءات يقولون إن تقليص عدد ساعات العمل المتواصل من دون راحة، يمكن أن يؤدي لتناوب أكثر من طبيب على علاج المريض الواحد، وهو ما يمكن أن يؤدي لفقدان بعض التفاصيل والمعلومات الطبية، خلال عملية الانتقال، والتأثير سلباً على درجة التواصل بين المرضى وأطبائهم المعالجين التي تعتبر في غاية الأهمية من ناحية تحقيق نوع من الألفة والراحة النفسية بين المريض والطبيب تساعد في كثير من الأحيان على سرعة الشفاء. والشيء الذي يدعو للدهشة في هذا الصدد، أن الأبحاث العملية التي يمكن أن تدعم الحجج التي يذهب إليها من وضعوا القواعد والمعايير الجديدة الخاصة بساعات عمل الأطباء غير متوافرة، بحيث يثور الشك لدى عديدين بشأن الأسس التي تم الاعتماد عليها في وضع تلك المعايير. ومما يزيد من درجة الدهشة أن أعضاء المجلس الأميركي للتعليم الطبي المشار إليه آنفا، يقولون إن ذلك - عدم توافر أبحاث داعمة - ينطبق على المعايير التي كان معمولاً بها في السابق، والتي بدء العمل في تطبيقها منذ عام 2008. وعلى الرغم من أنني أتفق في الرأي مع هؤلاء الذين أبدوا قلقا من قصر فترات التسليم والتسلم بالنسبة لمناوبات الأطباء، وتأثيرها على التواصل مع المرضى وغير ذلك مما تمت الإشارة إليه، فإنني في الوقت نفسه لست من أنصار أن يعمل الأطباء ساعات طويلة حتى يتساقطوا من الإعياء. والعنصر الذي يغفله هذا السجال على الرغم من أهميته، والذي يشكل في رأيي، ورأي العديد من الأطباء تهديدا أكبر على صحة المريض ورفاهيته، هو النقص الكبير والمتزايد في عدد الأطباء، مقارنة بأعداد المرضى، مما يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق المعايير الجديدة الخاصة. وتتضح الأبعاد الحقيقة للتهديد الذي يشكله هذا العنصر، إذا عرفنا أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن العجز في عدد الأطباء في الولايات المتحدة الأميركية سوف يصل إلى 130600 طبيب عام 2025 ، وأن الجزء الأكبر من هذا العجز سوف يكون في أطباء الرعاية الأولية الذي تعاني البلاد من نقص كبير فيهم، في الوقت الراهن. فما نلاحظه حالياً في العديد من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، أن الأطباء العاملين في تلك المراكز وفي كثير من الأوقات يعتذرون عن استقبال المزيد من المرضى عندما يصل عدد المراجعين لحد معين، بصرف النظر عن الحالة. يحدث هذا في الوقت الراهن على الرغم من أن العجز في عدد أطباء الرعاية الأولى لا يزيد عن 7400 طبيب. فكيف يكون الحال عندما يصل إلى العجز الذي أشرنا إليه آنفا؟ وإعادة هيكلة الجهاز الطبي من أجل حل هذه المشكلة، وغيرها من المشكلات يتطلب تعاونا بين الكليات الطبية من ناحية والمنظمات المتخصصة من ناحية أخرى، والحكومة من ناحية ثالثة. وفي الوقت الراهن ترسم الكليات الطبية الخطط، التي تمكنها من رفع نسبة الملتحقين للدراسة بها بمقدار 30 في المئة قبل حلول عام 2018. من أجل تحقيق هذا الهدف يتم حالياً، وللمرة الأولى منذ عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بناء كليات طبية جديدة. على أن الأعداد المتزايدة من الأطباء التي تنوي البلاد تخريجهم، سوف تحتاج إلى فترة من العمل كأطباء امتياز أو أطباء مقيمين في المستشفيات لاستكمال تعليمهم وزيادة قدراتهم العملية واكتساب المزيد من الخبرات. والمشكلة هنا أن القليل من الناس فقط هم الذين يعرفون أن برامج أطباء الامتياز أو الأطباء المقيمين يتم تمويلها من خلال برامج الرعاية الطبية "ميدي كير" وغيرها من البرامج الحكومية، وأن عدد الوظائف المدعومة فيدرالياً منذ عام 1997، وبالتالي العدد المتخرج سنوياً من الأطباء الجدد، قد تم وضع حد أعلى لها من قبل الكونجرس، ويصعب بالتالي إجراء أي تعديل عليه دون موافقة من الكونجرس. ومن المعروف أن المشرعين قد أخفقوا في زيادة عدد الوظائف المدعومة فيدرالياً، واتخذوا خطوات لا تزيد في رأيي عن مسكنات، في حين أن الوضع يتطلب إجراءات جذرية. وعلى ما يبدو أن هؤلاء المشرعين لا يدركون أن أي مشروع شامل للرعاية الصحية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توافر العدد الكافي من الأطباء. برادلي ويرثايم طبيب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة" إم.سي.تي إنترناشيونال"