على ضوء الحراك الحالي في عدة أنحاء من العالم العربي، تمكن الإشارة إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية العديدة، متمثلة في الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وتدني الأجور وارتفاع معدلات التضخم وازدياد فجوات الدخل... وتأثير ذلك على الحياة المعيشية للمواطن العربي وتالياً على حالته النفسية. إلا أنه ثمة مجموعة من الأسباب الأخرى أهمها: 1- تجاهل البعد الاجتماعي في مشاريع وبرامج التنمية، أي السياسات الاقتصادية التي لم تُراع الجانب الإنساني والحضاري، ومن ثم لم تستطع استيعاب حاجات الإنسان العربي، المعنوية والمادية، علاوة على صور الفقر وأماكن توزعه، والتي تعتبر نتاجاً لنمط توزيع الدخل والثروة. 2- غياب الاتصال المباشر بين كثير من القيادات وشعوبها، لاسيما الطبقة الوسطى والفقيرة. فكثير من الحكومات العربية بعيدة عن مشاكل مجتمعاتها، مكتفية بتقارير الأجهزة والمقربين، والتي نادراً ما تنقل معاناة القاعدة العريضة من الناس. وهذا ما اعترف به أخيراً "بن علي" قبيل سقوطه، حين أشار إلى أن مَن حوله ضللوه ولم ينقلوا له مشكلات الشعب بدقة! 3- طبيعة الفكر الذي طبقته أكثر الحكومات العربية خلال العقود الأربعة الماضية، والذي اعتمد في أساسه على وصفات البنك وصندوق النقد الدوليين، دون مراعاة لخصوصية الإنسان العربي وبيئته. 4- مجموعة السياسات التي فرضها الغرب على الدول العربية في مجالات الاقتصاد والتعليم، والتي راكمت غضباً مكبوتاً داخل الشارع العربي. وهذا عامل مهمٌ أوضحه غورباتشوف في مقال نشرته صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الروسية بتاريخ 2011/2/14، وقد قال فيه "إن دول العالم العظمى منذ أمد طويل تفرض على العالم العربي والسياسة العالمية فكرة كاذبة تتلخص في أنه إما النظام الاستبدادي أو الأصولية والتطرف. ويبدو أن قادة تلك الأنظمة آمنوا بدورهم كضمانة للاستقرار الذي يخفي وراءه مشكلات حادة ومتراكمة؛ كالركود، والتفاوت بين الأغنياء والفقراء، وانسداد الآفاق أمام ملايين الشباب... وهذا كله أصبح وقوداً يشعل الانفجار الاجتماعي". ومن ذلك يبدو أن فهم الشارع العربي وتحليل حراكه الحالي، أصبح ضرورياً، لاسيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي أضرت بالاستقرار في أكثر من بلد عربي. فالحرية والعدالة الاجتماعية ضروريين لاستقرار الأوضاع في العالم العربي. كما أنه من الضروري أيضاً فهم منظومة القيم التي تشكل البعد الوجداني للفرد، ومن خلالها تتحدد المعايير التي توجه سلوكه ويحكم من خلالها على السلوك الإنساني، وهي المعايير التي أصبح لها دور مؤثر في الجيل الجديد الذي أتقن التعامل مع تقنية المعرفة وقيم الحداثة كما تعلمها من مناهج الغرب ومدارسه. ويبدو ذلك واضحاً من المقالات الغربية العديدة التي اعتبرت ما فعله "جيل الثورة" انتصاراً لقيم الغرب. وكمثال على ذلك ما جاء في مقال روني ألوني، "ثورات عربية: فأين النساء؟"، والذي قال فيه: "منذ أن نشبت الاضطرابات في القاهرة ونحن في الغرب نجلس مسحورين أمام شاشات التلفاز والحاسوب، وننظر كأننا لا نصدق مظاهرات الجماهير التي انتشرت في تونس وليبيا واليمن. إن صورة مئات آلاف الرجال يلبسون القمصان قصيرة الأكمام وبنطلونات الجينز بغير لباس إسلامي تقليدي، هو صورة مؤثرة". ثم يضيف الكاتب: "إن النساء العربيات أيضاً ينتظرن أن تتحسن مكانتهن الاجتماعية، وينلن حرية اللباس من غير أن يعتبر ذلك عدم حشمة".