يبدو أن الجمهوريين في مجلس النواب صوتوا من حيث لا يدرون على الزيادة في حالات الإجهاض ورفع تكاليف الرعاية الصحية التي توفرها الحكومة الأميركية، فضلاً عن تضخيم عدد المواطنين المعتمدين على الرعاية الصحية. وبالطبع لم يكن ذلك قصدهم في البداية، ولا كان جزءاً من سياستهم المعلنة والمعروفة، بل كان نتيجة متوقعة وحتمية للمقترحين اللذين تقدم بهما الجمهوريون في الكونجرس لإلغاء تمويل برنامج التخطيط العائلي الفدرالي وقطع الأموال عن برنامج التخطيط الأسري وحرمانه من الدعم الحكومي. والحقيقة أن الأمر لا يقف عند تشجيع الإجهاض من خلال التحرك الجمهوري، بل يتعداه إلى ما هو أفدح. ذلك أن أي حجب للتمويل عن برامج مرتبطة بالمرأة والأسرة، يعني أن الجمهوريين صوتوا فعلياً على موت مزيد من النساء جراء سرطان الثدي والعمود الفقري والإيدز وباقي الأمراض التي تغطيها الرعاية الصحية، لاسيما البرنامجان الموجهان أساساً لحماية المرأة والأسرة. فمعروف أن برنامج التخطيط العائلي مثلاً يوفر التشخيص المجاني للنساء وبالتالي فرصة اكتشاف السرطان في وقت مبكر، ناهيك عن تقديم المشورة الطبية ومعالجة النساء المصابات بالإيدز والتي تستفيد منها بالخصوص الأسر ذات الدخل المحدود وغير القادرة على التوجه إلى المستشفيات الخاصة ذات التكاليف الباهظة. لكن دعونا في البداية نوضح أمراً قد يتهمنا به الجمهوريون، وهو أن التمويل الفدرالي لهذه البرامج لم يكن يذهب أبداً إلى تشجيع الإجهاض. فالبرنامج الوحيد الذي يمول عمليات الإجهاض يقتصر على تلك الحالات النادرة التي تسعى فيها النساء الفقيرات إلى إجراء عمليات الإجهاض، إما بسبب تعرضهن للاغتصاب وعدم رغبتهن في استمرار الحمل، أو في بعض الحالات التي يعرّض فيها الحمل حياة المرأة لخطر محقق. ودليل ذلك أنه في عام 2006 الذي تتوفر إحصاءات بشأنه، لم تمول الحكومة الفدرالية أكثر من 191 عملية إجهاض في جميع الولايات المتحدة، وذلك حسب المعطيات المتوفرة لدى معهد "جوتماتشر" الذي يرصد عمليات الإجهاض. ومع ذلك يصر الجمهوريون من خلال مقترحاتهم في الكونجرس على معاقبة البرامج الحكومية التي تشرف على عمليات الإجهاض وتمنعها من اللجوء إلى الظل بعيداً عن أعين السلطة، وفي المقدمة من تلك البرامج المستهدفة برنامج التخطيط الأسري الذي يتلقى أكبر دعم حكومي ويشرف على الكثير من عمليات الإجهاض في الولايات المتحدة والتي تظل ضئيلة في جميع الأحوال. وحتى لا يتم تغليب الإجهاض على غيره من أوجه المساعدة التي يقدمها البرنامج للنساء الفقيرات، ينص قانون الدعم الفدرالي بصراحة على ضرورة الفصل بين عمليات الإجهاض وغيرها من وسائل الدعم، سواء تعلق الأمر بالمباني التي تجرى فيها العمليات، أو الكادر الطبي الذي يشرف عليها. كما أن العمليات لا تمثل سوى 3 في المئة من مجموع الخدمات التي يقدمها برنامج التخطيط الأسري، فيما تمثل وسائل منع الحمل 35 في المئة، والتحاليل الطبية لكشف الأمراض المنتقلة جنسياً 34 في المئة، وتشخيص السرطان من خلال الفحوصات والأشعة 17 في المئة... من إجمالي الخدمات. والسؤال: ما الفرق بين برنامج التخطيط الأسري والأموال الفدرالية التي تتدفق مباشرة إلى المستشفيات في إطار برنامج "الرعاية الطبية" الحكومي، والتي تمارس أيضا الإجهاض؟ وهل نتوقع كذلك تقليصاً في برنامج "الرعاية الطبية" الذي يستفيد منه ملايين الأميركيين؟ يبرر "مايك بينس"، النائب الجمهوري من ولاية إنديانا، قطع التمويل عن البرامج الاجتماعية قائلاً: "إذا كان برنامج التخطيط الأسري يريد الاستمرار في تقديم خدماته فيما يتعلق بالإيدز والسرطان، فعليه التوقف عن دعم عمليات الإجهاض". والحال أن الإجهاض حق وليس جريمة وهو في حدود علمي قانوني في هذه البلاد. وحتى لو تركنا برنامج التخطيط الأسري جانباً، تبقى قضية برنامج "تايتل إيكس" الذي يوفر للأميركيين فرصة إجراء فحصوات متقدمة على السرطان، حيث شدد "بينس" على الفصل بين هذا البرنامج والتخطيط الأسري قائلاً: "إن المقترح المطروح حالياً في الكونجرس لا يلغي دولاراً واحداً من تمويل (تايتل إيكس) الذي نقدر ما يوفره من خدمات تتعلق بالسرطان والإيدز، فضلاً عن تقديم الاستشارة الطبية للأسر والنساء". لكن "بينس" لا يقر بأن مجلس النواب، من خلال مقترح الإنفاق الذي يطرحه، يلغي 316 مليون دولار من الدعم الذي كان يحظى به البرنامج نفسه الذي قال إنه يقدره. ويجدر بنا هنا تذكير الجمهوريين بأن برنامج "تايتل إيكس" دخل حيز التنفيذ على يدي نيكسون الذي وقعه كقانون بعدما أعلن أنه"لا يجب أن تحرم أية امرأة أميركية من الدعم الأسري فقط لأن ظروفها الاقتصادية لا تسمح بذلك". لذا تنتفع اليوم أكثر من خمسة ملايين امرأة أميركية من خدمات البرنامج، لاسيما النساء ذوات الدخل المحدود، بل أكد معهد "جوتماتشر" أن البرنامج يساعد مليون امرأة سنوياً على تجنب الحمل غير المرغوب فيه. لذا ففي حال قُطع التمويل عن برنامج "تايتل إيكس"، كما عن باقي البرامج الأخرى، ستأتي النتائج عكسية وستتضاعف عمليات الإجهاض في أميركا، كما ستتضخم تكلفة "الرعاية الطبية" التي تخرج من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين. روث ماركوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"