كان المؤتمر السياسي الأول الذي عُقد في مصر بعد تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة تجسيداً لإرادة شباب ثورة ميدان التحرير والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية من حسن حظي أنني كنت أحد أعضاء اللجنة الفنية التحضيرية، لهذا المؤتمر، والتي ضمَّت ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي ووائل نواره أحد كوادر ثورة التحرير، والأستاذ حافظ أبو سعده أحد أقطاب منظمات حقوق الإنسان في مصر ود. شريف ودود الخبير السياسي. وضعنا هيكل المؤتمر الذي نظَّمته صحيفة "المصري اليوم" بالتعاون مع "اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية" ليلبي حاجتين. الأولى تزويد الحاضرين بالمعرفة العملية المنظمة حول المراحل الانتقالية وتجارب الشعوب، التي سبقتنا فيها للانتفاع بالخبرة الدولية والبناء عليها في إطار خصوصية الحالة المصرية. أما الحاجة الثانية، فكانت توفير إطار للتفاعل والنقاش والخلاف والتوافق بين شرائح من شباب الثورة ومن ممثلي الإسلام السياسي وممثلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومجتمع الأعمال والمفكرين المستقلين. من هنا تلقينا عبر شاشة الفيديو "كونفرنس" تجربة استثمار المرحلة الانتقالية في دولة تشيلي قدمها لنا أحد النوّاب في البرلمان، وهو "سرجيو بيتار" لبناء ركائز التحول إلى الديمقراطية، وفوق هذا تلقينا أيضاً تجارب التحول الديمقراطي في بلدان أوروبا الشرقية من خبراء من هذه البلدان. أعتقد أن توفير الخلفية المعرفية للشباب يتيح لهم فرصة لانضاج رؤاهم ومطالبهم بشأن تحديات وفرص مرحلة التحول الديمقراطي في مصر. لقد ظهر أثر ذلك في الجلسات التفاعلية، والتي أفرزت عدداً من التوصيات حول المرحلة الانتقالية التي بدأت يوم 12-2-2011 ولمدة ستة أشهر. جاءت التوصيات من جانب المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من مائتي ناشط وباحث على النحو التالي: أولاً فيما يخص المرحلة الانتقالية، فإنه يمكن النظر إليها باعتبارها وسيلة للتحول الديمقراطي بما يسمح بمد هذه الفترة عبر سلطة مدنية انتقالية إلى الحد الذي يتيح توافر الظروف الملائمة لتكوين قوى سياسية واجتماعية من خلال تشكيل أحزاب قادرة على المساهمة الفعّالة في العملية السياسية، وكذلك التعبير عن التقدير الكبير لدور المؤسسة العسكرية في حماية الانتقال إلى الديمقراطية، وتسليم السلطة لقيادة مدنية منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً. وضرورة العمل على استرداد الأموال المنهوبة ومحاسبة المتورطين في جرائم فساد. وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. وإنجاز قانون انتخابي يتسم بالكفاءة والعدالة وتطوير آلية للإشراف على الانتخابات تتمتع بالاستقلالية وتخضع للمحاسبة وإتاحة التصويت في الانتخابات العامة ببطاقة الرقم القومي، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان نزاهة العملية الانتخابية تحت إشراف قضائي كامل. ومراعاة أن يعكس الدستور الجديد قيم المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والدولة المدنية. وتحرير الصحف ووسائل الإعلام من سيطرة الحكومة. ثانياً: فيما يخص الاقتصاد الوطني: ضرورة أن تشهد المرحلة انتقالاً مدروساً إلى العمل في بيئة اقتصادية تتسم بالانفتاح والحرية والشفافية والفرص المتكافئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل القومي مع التركيز على مكافحة البطالة والفقر، ووضع هيكل جديد للأجور يتسم بالعدالة. أعتقد أن هذا المؤتمر الذي عقد بين 22 - 24 فبراير الحالي، قد فتح الباب لمزيد من الاجتهادات الجماعية لكيفية استثمار المرحلة الانتقالية في مصر، لفتح الفرص والآفاق نحو التحول الديمقراطي والنهضة والعدالة الاجتماعية.