خيارات حرجة لاحتواء الأزمة الليبية... و"الثورات" تخدم أجندة أوباما السياسية توقعات قوية بشأن رحيل ميشيل إليو- ماري عن وزارة الخارجية الفرنسية، والخيارات المتاحة لاحتواء جموح العنف في الأزمة الليبية، والفرص السياسية التي تتيحها الثورات العربية لأجندة أوباما السياسية، موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وأعمدة رأي الصحف الفرنسية. هل ترحل "مام"؟ دخل معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الجهوية الفرنسية منذ يومين على خط ترجيح التوقعات القوية برحيل وزيرة الخارجية ميشيل إليو- ماري -المعروفة إعلاميّاً باختصارات اسمها "مام"، على خلفية ما تعرضت له مؤخراً من هجوم بعد قصور أداء الدبلوماسية الفرنسية تجاه الثورة التونسية، مع ما رافق ذلك من شبهات استغلال منصب، أثيرت إعلاميّاً ضد الوزيرة، وتحديداً حول ظروف إجازة قضتها في تونس. الكاتب جاك غوييون نبه في افتتاحية "لاشارنت ليبر" إلى مفارقة أن العالم كله يتساءل بشغف: هل يرحل القذافي، لوضع حد للمجازر التي يتعرض لها شعبه؟ في حين أن الفرنسيين يتساءلون: هل ترحل إليو- ماري، لينتهي أيضاً الجدل المتفاقم حول عطلتها التونسية المثيرة للجدل؟ وفي حين سعت الوزيرة أمس لإعطاء انطباع بأنها ما زالت على رأس عملها، وبأن للمسؤوليات العائلية وقتها أيضاً، إلا أن رفاقها في الحزب الحاكم، بدأوا يعطون انطباعاً آخر قويّاً بالاستعداد للتخلص منها، واتخاذ مواقف تجاهها تفوق حدةً حتى مواقف المعارضة. ويمكن القول إنه كلما ما مر الوقت، وكلما زادت ثورات العالم العربي تأججاً، كلما تآكل موقف إليو- ماري، وازداد هشاشة، وقويت احتمالات تركها التشكيلة الحكومية. ومن جانبه يذهب أيضاً "ريمي جودو" في افتتاحية "الإيست ربيبليكن" إلى أن على ساركوزي الآن إعطاء الدبلوماسية الفرنسية صوتاً ووزناً، وخاصة أن الزلزال الذي يجتاح العالم العربي يفرض على فرنسا الإمساك بزمام المبادرة بحيث تكون مواقفها مؤثرة وفي حجم التحديات المطروحة عليها، من الجانب الآخر من البحر المتوسط. أما حالة عدم التأثير الحالية، والمواقف المتذبذبة، فلاشك أنها تمثل خصماً من رصيد الرئاسة الفرنسية لمجموعة العشرين، ومن قوة حضورها على المسرح الدولي. وفي هذا المقام لا يحتاج المرء أن يكون متخرجاً من مدرسة الإدارة الفرنسية الشهيرة لكي يتوصل إلى قناعة راسخة بأن بقاء "مام" على رأس الدبلوماسية الفرنسية أصبح رهاناً خاسراً، بكل المقاييس. وبغض النظر عما قد يثار من مزاعم بشأن اتخاذها كبش فداء، من عدمه، فالنتيجة واحدة: عليها أن ترحل، اليوم وليس غداً. وذات الطرح نجده أيضاً في افتتاحية "لامونتان" حيث اعتبر كاتبها "كزافييه بانون" أن الأولوية اليوم هي لطي صفحة الفشل الدبلوماسي الفرنسي في استقبال الثورات العربية، وخاصة أن شعبية مارين لوبن بدأت في الصعود، في مقابل تراجع شعبية ساركوزي، الذي دخل عمليّاً منذ شهرين في أجواء الاستعداد المبكر لحملة إعادة الانتخاب في الأليزيه العام المقبل. تفاقم الأزمة الليبية في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين إن العالم لا يملك ترف لعب دور المتفرج تجاه ما يجري في ليبيا هذه الأيام. ومع أن معظم دول العالم منشغلة الآن بإجلاء رعاياها أولاً، وهذا أمر مفهوم، إلا أنه لا يكفي، إزاء تفاقم المأساة الإنسانية الجارية هناك. والسؤال المطروح الآن بإلحاح: ما العمل؟ وهنا، لاشك أن النظام الليبي يستحق من العقوبات ما أصبح اليوم لازماً وضروريّاً، أكثر من أي وقت مضى. إلا أن ما يتردد من تدابير من قبيل تجميد الأصول المالية، وحظر بيع السلاح، والمتابعة أمام القضاء الدولي، كلها ليست سوى تدابير متأخرة كثيراً وفي الساعة الخامسة والعشرين، ولن تكون لها آثار لحظية مباشرة. وثمة أكثر من داع للسؤال عما إن كانت تدابير من هذا النوع قادرة حقاً على ثني النظام الذي لفظه شعبه عن أخذ البلد كله معه إلى الهاوية؟ ولكن مع هذا يمكن أن تفيد تلك العقوبات في جعل بعض من لم يتخلوا عنه حتى الآن، أو حتى من يمدونه بالسلاح والمرتزقة، يفكرون جديّاً في العواقب الوخيمة لمواقفهم. وليس خافيّاً أن النظام المحاصر في العاصمة يريد أن تتحول مقاومته اليائسة إلى حرب أهلية، ليزيد بذلك الشكوك والهواجس حول وجود "مؤامرة دولية". أما فكرة فرض منطقة حظر طيران، التي تردد الحديث عنها، فلاشك أنها مما يعيق وصول إمدادات إلى النظام كما من شأنها تقليص هامش المناورة المتاح له. ولكن ينبغي الانتباه أيضاً إلى أن السابقة العراقية في هذا المجال ترجح أن يغذي إجراء كهذا الشكوك والهواجس المتخوفة من مؤامرة غربية. ودون تفويض واضح ومحدد من مجلس الأمن، فإن كل ما قد يفسر على أنه تمهيد لتدخل عسكري، ينبغي الابتعاد عنه. وفي ذات الاتجاه أيضاً حذر الكاتب موريس إلريك من مخاطر أي تدخل عسكري تجاه الوضع في ليبيا، خاصة إذا كان بمبادرة أميركية، لأن مخاوف تكرار سيناريو مغامرة على الشاكلة العراقية ستكون مطروحة بقوة، في مثل هذه الحالة. بل إن هذا التدخل قد يتيح للديكتاتور الليبي الظهور بمظهر المقاوم للإمبريالية العالمية، مثلما كان يقدم نفسه خلال فترات حكمه الأولى. وهنا ينبغي أن نتذكر أن التحرك الأميركي كان إيجابيّاً وبناء في حالة الثورتين التونسية والمصرية، لأنه كان مبنيّاً أساساً على الواقعية السياسية، ودعم التغيير بالوسائل السلمية. وأخيراً في افتتاحية صحيفة ليبراسيون ندد الكاتب فرانسوا سيرجان بممارسات النظام الليبي، الذي ظل يقمع تطلعات شعبه منذ اثنين وأربعين عاماً. ولا مجال لمقارنة ممارسات هذا النظام مع هوامش الحرية والتنفيس التي كانت متوافرة في ظل النظامين التونسي والمصري السابقين. ومع هذا ظل القادة الغربيون يعملون على إعادة تأهيل هذا النظام، خلال السنوات الماضية، تحت دعاوى ومبررات مكافحة الإرهاب، وصفقات السلاح الذي يستخدم اليوم لقمع المحتجين. لحظة أوباما الثورية صحيفة لوموند نشرت مقالاً بعنوان "كلنا تونسيون ومصريون" استهلته كاتبته "ناتالي نوجايرد" بقراءة تحليلية في دلالات الخطاب الذي ألقاه أوباما يوم 11 فبراير الجاري في سياق استجابته لغليان الثورة المصرية. وتوقفت الكاتبة خاصة أمام إبراز سيد البيت الأبيض لقيمة القوة الأخلاقية السلمية كسبيل للتغيير والإصلاح والديمقراطية في مصر، وهنا وفق الرئيس الأميركي في تقديم سرد وتفسير لما جرى ويجري في مصر يسحب البساط بشكل واضح من تحت دعاية "القاعدة" وغيرها من المنظمات الإرهابية التي تعمل منذ زمن بعيد على استغلال مشاعر الإحباط لدى الشرائح الشابة من المجتمعات العربية، وتطلع هذه الشرائح للإصلاح والتغيير ومكافحة كافة مظاهر الفساد ومكامن الفشل. وهنا انفتحت فجأة أمام أوباما فرصة الاشتغال على "أجندة حرية" في المنطقة الشرق أوسطية، وفي ظروف أنسب وأفضل بكثير من تلك التي حاول سلفه بوش خلالها فرض ما سماه هو أيضاً "أجندة حرية" على ما سماه "الشرق الأوسط الكبير". وللتذكير فإن تلك الأجندة المزعومة التي تأدت إلى الفشل الذريع لم تكن في الواقع سوى غطاء أو تبرير بأثر رجعي لغزو العراق، خاصة بعدما تبين عدم وجود أسلحة دمار شامل. أما أجندة الإصلاح العربية الممكنة اليوم، فقد كانت بمبادرة داخلية، في بعض البلدان العربية المحتقنة، ويكاد دور أوباما فيها يقتصر على الدعم والتحفيز، مع حرص واضح على انتقاء العبارات المناسبة، وأخذ مسافات أمان مناسبة أيضاً حتى لا يظهر في الصورة على أنه يملي أجندته على الآخرين. وفي المجمل سيكون مفيداً لأوباما الاتكاء، في طريقه إلى إعادة الانتخاب العام المقبل على مكاسب موجة الدمقرطة العربية الراهنة، وخاصة أن شعارات العداء لأميركا، والغرب، لم تتقدم الواجهة خلال تظاهراتها. إعداد: حسن ولد المختار